أدبي

الفراولة الحمراء

وقت النشر : 2022/05/28 07:01:06 AM

الفراولة الحمراء

بقلم: بانسيه محمد فضل

للأحمر دور بحياتي منذ طفولتي وطول عمري،

فمنذ نعومة أظافري أطلقوا عليّ الفراولة الحمراء؛ لملامحي الدقيقة، وشفاهي الحمراء.

طالما أحببت ذلك اللقب، فلقد شعرت بتميزي فيه، خاصة وأني أحب تلك الفاكهة اللذيذة،

لكن تعرضي للتنمر من أقراني بالمدرسة جعلني أمقت ذلك اللقب، بل توقفت عن تناول أي فراولة حمراء،

كنت أتجنب الجميع، وأظل وحدي طوال اليوم لأتجنب مضايقتهم وسخريتهم.

حتى ظهر ذلك الأمير الصغير، أحببت اهتمامه بي ولطفه معي، ولن أنسى حين اقترب وأهداني وردة حمراء جورية،

لم أر في جمالها من قبل. احتفظت بها داخل كتابي، وكنت كلما اشتقت له أنظر إليها لتذكرني به،

تمنيت لو يظل عبقه بها، كان فارسي الصغير الذي يبعد عني حماقات الصغار، فيحتويني بكلماته ولطفه لأنسى أي سوء،

كان واحتي التي ألوذ بها عن صخب الحياة، فنتحدث سويا بالساعات دون ملل.

استمرت صداقتنا سنوات، فزاد تعلقي به وحبي له حتى وإن لم يفصح لساني،

لكنها ظهرت بغيرتي من تلك الشقراء التي تحوم حوله وتتعمد جذب انتباهه،

بل كانت سببا في مشاجرة بيننا فقاطعني شهرا كاملا لم أتحمل فيه غيابه، لكني كنت أنتظر عودته.

في عيد ميلادي الثامن عشر، ارتديت ثوبي الأحمر الذي يفضله، فصرت كسندريلا في حفلة الأمير،

اجتمع أقاربي وأصدقائي ليحتفلوا معي في ذلك اليوم المميز، ولأول مرة أستمع للكثير من كلمات الإعجاب،

لكني صممت آذاني عن الجميع فلقد كنت أنتظر كلمة من رفيقي الوحيد.

ظللت أنتظره كثيرا، فمن المؤكد عدم نسيانه لذلك اليوم، مرت الساعات بطيئة على قلبي كسلحفاة عجزت عن السير،

وانشغل فكري بأفكار سوداء؛ هل تخلى عني أم مل رفقتي؟

كيف له أن يتركني كل ذلك الوقت أنتظره؟

انهالت دموعي كالغيث تبلل وجنتي الوردية فتطفئ نار الشوق بقلبي الملتاع من الحيرة.

دق هاتفي برقم غريب، وجدت صوت ضحكات ساخرة تردد باستهزاء:

عيد ميلاد سعيد يا فراولتي الحمراء، ولا تنتظري كثيرا، فمن تودين مجيئه لن يعود لمثلك أبدا.

صمت برهة لأتذكر لمن ذلك الصوت القبيح، لكنها لم تمهلني الوقت للتفكير فلقد أكملت حديثها:

إن رفيقك عمر قد مل من تفاهتك وغيرتك الحمقاء، فمثله لا يليق به مرافقة من تشبه الفراولة، فابتعدي عن طريقه أيتها الصغيرة ولتذهبي لجحيم يليق بمثلك.

لم أصدق كلماتها في البداية، فكيف لرفيق عمري التخلي عني بتلك البساطة، حاولت الاتصال به، لكن دون جدوى.

لكني تأكدت للأسف من كلام تلك الشريرة من صديقة لي، فقد أخبرتني أنها استغلت الخلاف بيننا

في التقرب لعمر وتشويه صورتي عنده حتى لم يعد يحتمل سماع اسمي، ولم يعد يرغب في رؤيتي.

في اليوم التالي دعتني رفيقة لي لتناول الغداء بمطعم راق، كان عيد الحب وكل المكان مزين بالبالونات الحمراء

وعزف الكمان يسحر الألباب، سرحت بخيالي، كم تمنيت لو كان بصحبتي في ذلك المكان الرائع، لكني أفقت من شرودي على صوته، هل هذا هو حقا؟

ارتجف قلبي شوقا وحنينا، التفت لأنظر صوب الصوت، فإذا به يصحب تلك الشقراء اللينة، وتعالت أصوات ضحكاته بالمكان فصمت أذني، ما هذا؟ إنه يهديها وردة حمراء جورية كالتي أهداني مثلها؟

حاولت مغادرة المكان، لكن تلك الغبية لم تصمت فقد اقتربت لتلقي التحية بسخافتها المعهودة:

– أهلا بالفتاة الفراولة، ألن تنضجي أيتها الطفلة من أحلامك الوردية؟!

زاد صوت ضحكاتها الساخرة وإهانتها المتكررة لي، ذكرتني بكل المتنمرين الصغار أيام الطفولة، أردت إسكاتها بأي شكل فلم تصمت إلا بعد ما كان.

لم أشعر بنفسي إلا وقد ألتقطت السكين من على طاولة الطعام لأغرزه بعنقها كي تصمت للأبد. شهق الجميع وصرخ عمر: ماذا فعلت أيتها المجنونة؟

وانسابت الدماء الحمراء بالمكان لتكمل لوحة الحب الحمراء في عيد العشاق.

وقفت أضحك بنشوة الانتصار أمام الدماء، والكل يصرخ في هلع، لكني يكفيني أني لن أسمع ذلك اللقب بعد الآن.

الفراولة الحمراء
الفراولة الحمراء

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى