مقالات متنوعة

لما سلمت قلبك إلينا رددنا ابنك إليك

وقت النشر : 2022/07/20 06:19:20 PM

بقلم: تامر الباجوري

عندما كبر سيدنا إبراهيم وبلغ من العمر عتيا وعقمت زوجته سارة وكانت السيدة سارة تصغر زوجها بعشر سنوات اشتدت لوعة الوحدةِ ومرارة الوَحشة فدعا إبراهيمُ ربه أن يهب له عقبا صالحًا وتزوج من هاجر الأمينة المؤمنة فأنجبَت له إسماعيل عليه السلام فأقر به عينه .

ولما بلغ اشده وبلغ معه السعي اي أصبح يعتمد عليه

يؤمر إبراهيم عليه السلام بأن يذبح ابنه إسماعيل ولده الوحيد ، إنه لأمر تنوء بحمله الجبال واستجاب إبراهيم لربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته فشد الرحال إلى ابنه ليلبي أمر الله فيه ولم يلبث أن أخبر ولده بما أمره الله به فقال :«يا بُني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري»، وإنما أعلم ابنه بالأمر بذلك ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرًا ويذبحه قهرًا وليختبر صبره وجلده وعزمه من صغره على طاعة الله تعالى وطاعة أبيه.

هنا يأتي أمر الطاعة ليطيع الابن اباه ويمتثل سيدنا اسماعيل للأمر ولم يرفض وقال لأبيه افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده «إن شاء الله من الصابرين»، هو الصبر على أي حال وعلى كل حال ، الأب إبراهيم والابن إسماعيل عليهما السلام يتنافسان في حب الله تعالى وطاعة أوامره عن رضا وقناعة وصبر وإيمان «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» سورة الصافات، آية 102.

جاء سيدنا إبراهيم بالسكين وسمى وكبر وتشهد سيدنا إسماعيل للموت أي بلاء أعظم من هذا وهو الذي كان يدعوا ربه بأن يهب له غلام يقر به عينه وأحبه حبا شديدا خاصة وانه رزق به علي كبر أكثر من ثلاثة وثمانون عاما.

ولكن هل سيشغل حب اسماعيل قلب أبيه إبراهيم عن ربه وعن خلته بعض المفسرين قالوا إن الملائكة قالت ذلك ومن هنا كان الابتلاء

لما سأل إبراهيم عليه السلام ربه الولد ووهبه له تعلقت شعبة من قلبه بمحبته والله تعالى قد اتخذه خليلاً والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة وأن لا يشارك بينه وبين غيره فيها فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب الخليل فأمره بذبح المحبوب فلما أقدم على ذبحه وكانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد خلُصَت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة فلم يبقَ في الذبح مصلحة إذ كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس عليه فقد حصل المقصود فنُسِخ الأمر وفُدِي الذبيح وصدق الخليل الرؤيا وحصل مراد الرب.

وهو تحقيق العبوديّة لله تعالى في قلب إبراهيم عليه السلام فالله تعالى قد اتخذ إبراهيم خليلاً ولا يكون الخليل في قلبه أي نظرٍ إلى غير محبوبه ولذلك أراد الله تعالى اختبار قلب خليله إبراهيم عليه السلام وإلى ما سيميل قلبه.

فجاء الفرج من الرحمن الرحيم وناداه ملك من السماء بأن انتهى الاختبار وأن الله تعالى فدى إسماعيل عليه السلام بذبح عظيم ونال إبراهيم منزلة الخليل لله سبحانه وتعالى. يقول الله تعالى: «وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» سورة الصافات.

في قصة سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام تأكيد على أن الله عز وجل لا يريد أن يعذبه بالابتلاء ولا أن يؤذيه بالبلاء وإنما يريد منه أن يأتيه طائعاً ملبياً لا يتألى عليه ولا يقدم بين يديه فإذا عرف منه الصدق أعفاه من الآلام والتضحيات واحتسبها كما لو أداها .

 وصار هذا اليوم عيدا للمسلمين حتى يوم القيامة إحياء لسنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وليتذكر المؤمن أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وتقديمهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كان ذلك كله هو سبب الفداء ورفع البلاء فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهواتها

فلما سلم ابراهيم قلبه إلى الله رد الله له ولده وفداه.

زر الذهاب إلى الأعلى