مقالات متنوعة

نظرية الملاك

وقت النشر : 2022/08/25 02:12:17 PM

نظرية الملاك

بقلم: باسم موسى

كم مرة تعرفت فيها على شخص وانبهرت به بشدة؟ كم مرة لفت انتباهك شخص لم تر مثيله من قبل؟! كم شخصا ارتبط بشريك حياته فأصبح الآمر الناهي في قلبه من فرط انبهاره به؟ كم وكم … ؟!.
والإجابة المتوقعة لجميع من تعرض عليهم مثل هذه الأسئلة هي “الكثير من المرات”. نعم لقد صدق القائل قوله، ولكن ..
كم مرة من هذا الكثير، استمر فيها الانبهار بنفس مقداره مع نمو العلاقة؟! والجواب أيضا متوقع ومعروف ” نادرا ”
ترى ما السر وراء انحدار مستوى الانبهار بنمو العلاقات؟.
السر تفسره “نظرية الملاك” ففي أول تعارف إن تكونت رابطة تآلف بيننا وبين شخص ما، فإن كلا منا يفترض وجدانيا أن الآخر يحظى بجل الصفات التي يتمنى وجودها في شخص مثالي، ويرسم له صورة وجدانية ملائكية التكوين؛ مثالية التفاصيل.
تظل سطحية العلاقة معززة لصورة الملاك، فالمجهول ملك يحكم العقل ويشكله كيفما يتمنى، حتى يحدث أول الخدوش فيجرح جزءا من هذه الصبغة الملائكية، مدنسا نقاء شفافية الصورة. إنه نتاج موقف يتصرف فيه الملاك بما لا يلائم ملائكيتة التي افترضناها، لقد تصرف ببشرية غير متوقعة.

ولا يقتصر الخدش على تدنيس صورة الملاك، بل يمتد إلى قلوبنا التي تحتضن تلك الصورة، إنها صدمة تذهل العقل ويرتج لها الوجدان، فتنتابنا حالة من الإحباط ، التي قد نقاومها أو نتقبلها ونحاول صد تأثيرها، ثم ننسى أو نتناسى، ونتعايش ونستمر، حتى يأتي ثاني المواقف ثم الذي يليه ثم تتوالى الخدوش.
تكشط الصبغة الملائكية رويدا رويدا بفعل المواقف والأحداث فنُفاجأ بأن الملاك لم يكن سوى بشر له نصيب من الخطأ والعيوب مثلنا تماما، حينها نبدأ في الولوج إلى نوع من الزهد الوجدان الذي يؤدي للابتعاد بمقادير تدريجية مختلفة؛ قد يصل إلى الانفصال القلبي أو حتى حل الرابطة تماما؛ عقليا وجسديا.
ماذا حدث؟! هل خَدَعَنا الملاك؟ أم خُدِعنا نحن فيه؟.
لقد خُدِعنا حقا، ولكنها ليست خدعة من الملاك، للأسف كانت الخدعة من نسج ذواتنا الباحثة عن الكمال والراسمة به صورا زائفةَ النقاء والمثالية.
إن الذنب على الأرجح لم يكن ذنب من صبغناه عنوة بصبغة لا تتوافق مع طبيعته البشرية. إنه حتى قد لا يكون قد فكر في ذلك ولا تعمد تجميل صورته في وجداننا. لكن من الجائز أنه قد استخدم بعض مقومات التأنق والذوق الرفيع في التعامل عند نقطة التلاقي الأولى، ولكنه لم يكن يتعمد الخداع.
إن ذلك هو ما ينطبق أيضا علينا في أذهان من نتعرف عليهم. فنصبح في أعينهم ملائكة منزهين عن العيب والخطأ، فلنجتهد إذن في إصلاح أنفسنا وترصيع أخلاقنا وصفاتنا الظاهرة والباطنة بجواهر الرقي والذوق والسمو؛ فليس الكمال مطلوب؛ بل المطلوب السعي الجاد نحوه مع الاجتهاد نحو البلوغ.
يجب علينا عند التعرف على شخص ما، أن نتذكر جيدا أنه بشر، وأن جميع صفات البشرية جزء منه بحلوها ومرها. يجب أن نتوقع الأخطاء ونستعد للمسامحة والعفو، يجب أن نتوقع ظهور العيوب ونستعد لتقبلها فنحن أنفسنا لن نخلو منها؛ فكيف نكيل بمكيالين؟!
وعلينا أن نتذكر أن بعض صفات الملائكة باطنة في عمق كل من نقابل، فيجب أن نتعلم كيفية استخراجها كي تسود على باقي الصفات. يجب أن نتعاون جميعا في تربية أنفسنا ومن حولنا على الملائكية.

وفي النهاية، يجب أن نضع نصب أعيننا أنه مهما كانت درجة انبهارنا بمن نقابل لأول مرة، فإنه بشر، وتنطبق عليه حتما “نظرية الملاك”.

زر الذهاب إلى الأعلى