أدبي

الأرواح لا تموت

وقت النشر : 2023/05/26 05:12:51 AM

الأرواح لا تموت 

الحلقة السابعة

بقلم: مونيا بنيو 

 

اتجهت نحو البيت أركض لألحق بإدوارد، كان قلبي يضطرب من الخوف وإحساسٌ غريبٌ تملكني، كما لو أنني أرى الأحداث أمامي؛ لأجري وأجري تاركةً كل من يصادفني يقف مستغربًا، ونسيت حقيبتي على ذلك المقعد الخشبي العتيق..

وصلت إلى الحديقة، وإذ بدخانٍ ولهيبٍ مهوول يأكل البيت، ازددت رعبًا فاتجهت إلى الشارع الرئيسي الذي كان مكتظًا بالناس وأنا أصرخ طلباً للنجدة، ولأنقذ إدوارد من ذلك اللهيب والأشباح والأصوات المرعبة..

كان الجو مخيفًا إلى أقصى حد، واجتمعت حشود الناس حول الحديقة الملتهبة،  لكن تأخرت فرق الإنقاذ والشرطة، والنيران تمتد ألسنتها نحوي ولم يكن أمامي إلا الاقتراب..

كنت أتلو آياتٍ مما أحفظ من سورة البقرة، وألسنة اللهب تحاول أن تبتلعني فازددت شجاعة؛  لأن خوفي على فقد إدوارد أكثر من خوفي على نفسي، فماجدوى الحياة بدونه!

لا أثر لإدوارد.. خرجت من بين اللهب وأنا أبحث عنه سوداء كالفحم، لأتجول حول الحديقة كمجنونةٍ فقدت عقلها، وما أقسى الناس حين لا يكترثون خوفًا على حياتهم في مثل هذه المواقف..

حتى وصلت فرق الإنقاذ، ثم أطفأوا النيران التي لم تبقِ على أي شيءٍ بالبيت، وبين بكاءٍ منهمر، وآهاتٍ وشهقاتٍ كالأطفال، وخوفٍ دفينٍ شعرت بكفِّ يربت على كتفي، وإذ بالجار العجوز ينحني ليواسي حالتي اليائسة..

نظرت في وجهه فكان يطمئنني، وأمسك بيدي وهو يتكأ بيده الثانية على عكازه الخشبي، ثم قال لي: إنهضي يا إيميلي كنت أنظر له بشيءٍ من الاستغراب، ثم احتضنته وأنا أبكي وأنتحب ثم قلت له:

كنت على حق..

قال:

تعالي معي يا إيميلي..

نهضت من مكاني متسائلة في ذهني كيف يعرف اسمي؟

وما خطبه رغم أنني غريبة عنه ولم نتعارف سابقا؟!

ورغم الخوف واليأس الذي أرعب روحي و احتلّ كياني، إلا أني سِرت مع ذلك العجوز لأنه ليس لدي حلٌ آخر ..

أدخلني العجوز إلى بيته الذي كان قريبًا جدًا من بيتي الملعون،  ثم ذهب ليحضر لي شرابًا ساخنًا، أما أنا فكنت شبه فاقدة الوعي والحيلة..

كان قلبي فارغًا، حزينًا واليأس يداعب روحي، قلبي ينقبض ويتسارع نبضه، يتساقط الدمع وتطفح خيالات اليأس، اشتد حزني وفي ذهني آلاف الأسئلة التي لم أجد لها جوابًا واحدًا منذ انتقالي إلى هذه المدينة، ولعل هذ العجوز ينقذني مما أنا فيه ويذيب جليد الواقع وليته يفعل ذلك..!

بعد قليلٍ من الوقت عاد ممسكًا بكوب من الشرابٍ الدافىءٍ، وطلب مني أن أستريح قليلًا في تلك الغرفة الهادئة، كنت أسمع بعض الحركة بالطابق العلوي، لكني لم أعرِ الأمر أهمية لأن حزني على إدوارد أكبر..

نمت قليلًا وبعد استيقاظي كان سؤالي الوحيد لذلك العجوز هو: لم ساعدتني ورأفت لحالي وكيف عرفت اسمي؟

تنهد العجوز وكأنه يحمل على صدره جبالًا من الألم ثم قال : أنا قطعت عهدًا على نفسي أن أنتقم من هذه الأرواح الشريرة التي أفقدتني أعز ما أملك يا إيملي،  أنا القلب المحب الصادق الذي قطع عهدًا أن ينتقم من الشبح الذي أودى بحياة أم إدوارد قبل سنواتً وأقعدها طريحة الفراش..

لقد حُرمت المرأة التي أحببت..

نظرت إليه و إلى ملامح وجهه، والدموع التي امتلأت بها عيونه و كأنها تحكي سنين العذاب الذي تعرض لها، كنت في صدمةٍ مما أسمعه   حتى أنني نسيت كل ما كان يحزنني..

لكن سؤالًا واحدًا لابد أن أسأله:

لماذا لم تبلغنا أنا وإدوارد من البداية؟

فقال دون تردد:

كنت أود أن يموت جميع الناس كما ماتت حبيبتي.

إنها ليلة مليئة بالحقائق الصادمة بالنسبة لي، فقد أخبرني العجوز كل الأسرار التي تتعلق بما يحدث لي ولإدوارد..

كم كانت الحقائق قاسيةً عليّ، فهذا الشبح هو روح والدة إدوارد التي قتلها الشبح، وتلبس روحها؛ ليأخد إدوارد معه لأنها توعدت أنها لن تختفي دون أن تصطحب إدوارد معها..

أجهشت بالبكاء والعجوز يواسيني في إدوارد،  ويحاول إخباري بنسيانه إلى الأبد..

أي نوع من البشر أنت أيها العجوز؟!

صرخت فزعاً وأنا أقول:

أي طريقٍ سلكت يا إدوارد؟!

وما فتئ العجوز يطمئنني بألا تحزني يا إيميلي فالله كبير رحيم، وبينما أنا على هذه الحالة وإذ بصوت يناديني:

إيميلي …..

يتبع..

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى