أدبيمقالات متنوعة

مدارس الأدب العربي في العصر الحديث “المدرسة الواقعية”

المدرسة الواقعية

وقت النشر : 2024/04/15 08:36:05 PM

مدارس الأدب العربي في العصر الحديث
5/ المدرسة الواقعية
بقلم: مصطفى نصر

ما هي المدرسة الواقعية؟

الواقعيون هم مجموعة من الشعراء يوصفون باختصار بأنهم تجردوا من الخيال والأحاسيس الذاتية، فهي مدرسة تقوم في أبسط صورة على كل ما هو واقعي وحقيقي وموجود فعلًا في الواقع، بحيث تسعى إلى إظهار هذا الواقع وتسليط الأضواء على جوانبه المختلفة حتى لو كانت قبيحة، وعكس الواقع السياسي والاجتماعي والديني على شكل أعمال فنية شعرية أو نثرية، إذ تعدت هذه المدرسة الأدب إلى الفن التشكيلي إلى الإبداع عمومًا، رسمًا أو نحتًا شعرًا كان أو رواية أو مسرحية، وتصويرها بصورة طبق الأصل للواقع بدون رتوش أو تذويق، بل على العكس إبراز القبح هو أفضل وسيلة لمحاربته، إذ أن محاولات دفن الرؤوس في الرمال وسيلة جبانة تخفي القبح وتبقيه بالتستر عليه، بدلًا من أن تواجهه وتقضي عليه.

قامت هذه المدرسة في فرنسا في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي كرد فعل على المدرسة الرومانسية التي هومت في الخيال والبكائيات هروبًا من الواقع القبيح – خاصة في منطقتنا العربية لوقوع أغلب الدول العربية تحت الاستعمار – واختلفت الواقعية عن الرومانسية من حيث ذاتية الرسام؛ إذ ترى الواقعية أن ذاتية الفنان يجب ألا تطغى على الموضوع، كما اهتمت الواقعية بقضايا الانسان الحقيقية، بعكس الرومانسية التي تعد العمل الفني إحساس الفنان الذاتي وطريقته الخاصة في نقل مشاعره للآخرين حيث ترسخت الرومانسية في الخيال، والأوهام، والأحلام والهروب من الواقع، وابتعدت عن قضايا الإنسان الحقيقة.

خصائص المدرسة الواقعية:

تميّزت المدرسة الواقعية عن غيرها من المدارس بالعديد من الخصائص والمميزات، وفيما يلي ذكر لأبرز هذه الخصائص:

1- رفضت بشكل صارم كل معايير المدرسة الرومانسية والتي تميزت بالارتباط بالخيال، والإعلاء من قيمة الذات، وهربت من الواقع لأحضان الطبيعة.
2- تصور المدرسة الواقعية حياة ومظاهر ومشاكل الطبقة المتوسطة والفقيرة، وكل ما هو عادي ومتواضع وغير مزخرف.
3- تبتعد المدرسة الواقعية عن الذاتية والانطباعات الشخصية وتنقل الواقع بطريقة موضوعية.
4- يتواصل فنانو المدرسة الواقعية مع الجمهور المتلقي للعمل الذي يقدمونه بشكل مباشر.
5- تعطي المدرسة الواقعية اهتمامًا كبيرًا للتفاصيل مثل الصور والرسم بالكلمات والحركة سواء بالتفعيلة العروضية أو موسيقى النص الداخلية باختيار ألفاظ ذات جرس خاص مع كل حالة نفسية يعيشها الشاعر.
6- تنطلق هذه المدرسة من واقع المجتمع الذي يعيشه الإنسان، إذ تصور المدرسة الواقعية الصراعات القائمة بجميع أشكالها (سياسية، اجتماعية، دينية) بطريقة واقعية بحتة كما هي في الواقع.
7- تركز هذه المدرسة على الجوانب السلبية للمجتمعات البشرية، مثل الجريمة في محاولة منها لمعالجة مثل هذه القضايا.
8- تتميز المدرسة الواقعية بتصوير الواقع بموضوعيّة دون تجميل أو تحسين. تعد الأعمال الفنية في المدرسة الواقعية وسيلة اتصال بالجماهير..

إنجازات المدرسة الواقعية الفنية:

عمل رواد المدرسة الواقعية على العديد مِن الإنجازات والأعمال، وفيما يلي ذكر لأبرز هذه الإنجازات:
1- تعتبر المدرسة الواقعية بداية الفن الحديث، ويعود ذلك إلى اقتناعها بأن الحياة اليومية والعالم الحديث كانا موضوعان مناسبان للفن من الناحية الفلسفية.
2- احتضنت الواقعية الأهداف التقدمية للحداثة والسعي وراء حقائق جديدة من خلال إعادة النظر في النظم التقليدية للقيم والمعتقدات، وعملت على تنظيم حياة الناس.
3- اهتمت المدرسة الواقعية للفن التشكيلي بكيفية تنظيم الحياة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا في منتصف القرن التاسع عشر، وقد أدى ذلك إلى تصوير ثابت للحظات الحياة غير السارة.
4- استخدام وسائل الإعلام الحديثة بهدف الشهرة بعد الثورة الصناعية وانتشار الصحف والإعلام.
5- جلبت المدرسة الواقعية للأدب مفهومًا جديدًا للشاعر باعتباره دعاية ذاتية قام غوستاف كوربيه وإدوار مانيه وآخرون بإثارة الجدل عن قصد واستخدموا وسائل الإعلام لتعزيز شهرتهم بطريقة لا تزال مستمرة بين الفنانين حتى يومنا هذا.

أنواع الواقعية:

وللواقعية أشكال متعددة منها الواقعية المجردة وهي الغالبة، وهي تركز على التفاصيل المادية للموضوع الذي يتم تصويره بدلًا من شكله الخارجي، ومنها الواقعية المفرطة: وهي تهتم بالواقع وكل تفاصيله في الشكل والألوان، وتستخدم ألوانًا وأنماطًا فاتحة أو داكنة لإنشاء صورة تشعر بالحيوية، كما لو تم التقاطها بواسطة شخص يتمتع بعيون فنية، ومنها الواقعية السحرية، وأول من أطلق عليها لقب السحرية هو الناقد الفني فرانز روه عام 1929 لكى يتمكن من وصف أعمال الفنانين الألمان الذين يصورون الحياة اليومية بشكل غريب ينفصل عن الواقع، ومن هذا اليوم بدأ تيار أدبى جديد فى الظهور بقوة يجمع بين الواقع الحقيقى والخيال الساحر، وانتشر هذا التيار سريعًا فى كثير من بلدان العالم بعدها حتى وصل لقمة تألقه على يد كتاب أمريكا الجنوبية فى سنوات الخمسينات والستينات من القرن العشرين وأبرزهم ماركيز، وبورخيس وأستورياس، ولعل من أبرز رواد الواقعية السحرية في الأدب العربي نجيب محفوظ والطيب صالح وواسيني لعرج، ومن الشعراء محمود درويش ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل.

البناء الشعري لدى الواقعيين العرب:

يقوم البناء الشعري لدى الواقعيين العرب على القطيعة التامة مع المظاهر التقليدية للقصيدة العربية القديمة، إذ يرون أن البناء التقليدي للقصيدة العربية بما فيها من قيود البحر والقافية هي التي قعدت بالشعر العربي عن النهوض والتطور، إذ يرون أنه من المستحيل على الأدب العربي أن يطلق تجارب جيدة من الشعر الموضوعي كتلك الموجودة في الأدب العربي من (ملاحم شعرية – قصص شعرية – مسرحيات شعرية – أوبرا) للقيود الكثيرة في القصيدة العربية، حيث دعوا حلا لهذه المشكلة لاعتماد الأساليب التالية:
1- ضرورة التخلص من البحور العروضية التي اخترعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، ستة أو ثمانية تفعيلات في كل بيت، واعتماد نظام التفعيلة العروضية الحرة بدون عدد، فقد يطول السطر الشعري نتيجة للتدفق الانفعالي فيصل إلى 20 تفعيلة عروضية، وقد يقصر في حالات الضيق وعدم المقدرة على الكلام الكثير لتفعيلتين فقط، إذن هم ألغوا البحر العروضي الخليلي التقليدي لكنهم لم يلغوه كاملًا، حيث احتفظوا بنفس التفعيلات الخليلية فعولن مفاعيلن متفاعلن مستفعلن فاعلات دون التقيد بست تفعيلات.
2- القافية قالوا إنها أكبر قيد على الشعر إذ من المستحيل أن أكتب مسرحية شعرية بها أربعة أو خمسة آلاف بيت كلها بروي واحد هو الباء أو الراء أو الميم، لذا دعوا لاستخدام ما يعرف بالتوافقات، بدلًا من القوافي، بمعنى أنك لست مقيد بحرف واحد في كل القصيدة، بل يمكنك ربط كل مقطع، أو أقل من المقطع (ثلاثة أربعة سطور شعرية) تكون لها قافية واحدة، ثم تخرج منها لقافية أخرى.
3- رفضوا الصور المفردة وقالوا إنه نمط كان يتوافق مع القصيدة الجاهلية، حيث كان الشاعر عينه تمتلأ بشئ واحد فقط هو رمال الصحراء، ولن يرى صور حديثة غير هذه الرمال سوى بعد مسيرة نصف نهار، أما نحن في العصر الحديث فإن الصور تتغير في كل رأس شارع، لذا لابد من استخدام الصور الفنية المركبة أو الممتدة، إلى إطار ما يعرف بالرسم بالكلمات، وهو نمط من التصوير الفني بالقلم بنفس طريقة حركة زوم الكاميرا.
4- استخدموا الرموز سواء المستمدة من أدبنا العربي أو تلك الموجودة في التراث اليوناني أو الروماني أو الفارسي أوغيرها.
5- استخدام الأساطير واستلهامها سواء الأساطير العربية أو غيرها.

وبعد هذه بعض التفاصيل حول المدرسة الواقعية سواءً عند نشأتها لدي الغربيين، أو بعد وصولها لتراثنا الشعري العربي، سوى أنني استميح القارئ عذرًا في أنني لم أورد نماذج شعرية كثيرة لضيق المساحة ومحدودية المقال.

مراجع المقال:
1- عباس عوض – الواقعية في الأدب – طبعة دار الجمهورية للطباعة والنشر 1999م
2- سيدني فانكشتين- الواقعية في الفن – طبعة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر 1991م
3-حامد أبو أحمد – في الواقعية السحرية – طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب 2008م
4- يحيى الرخاوي – الواقعية – طبعة دار الغد للطباعة والنشر 1986
5- ماجي أند بورز – الواقعية السحرية – طبعة المركز القومي للترجمة 2018
6- حمدي الشيخ – جدلية الرومانسية والواقعية في الشعر العربي- طبعة المكتب الجامعي الحديث 2005

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى