أدبي

فقدان الحبيب

وقت النشر : 2021/12/11 11:38:47 AM
  1. فقدان الحبيب                                                                                                                    بقلم: أحمد فتحي الصرفندي

مررت بزُقاق البيت
فتذكرت ملامحه وكلمات وداعه لي، هذا الزقاق الذي رأيته فيه آخر مرة حين الوداع، تمزقت مشاعري وانسكبت دموعي وخارت قواي ولم أستطع أن أتمالك نفسي، كل هذا حدث بمجرد مروري من جانب البيت، فكيف بي عندما أدخل البيت الذي قضينا فيه معًا أجمل الأوقات وأحلى الذكريات؟ كيف سأستقبل قلبي الذي تركته هنا منذ رحيله عنا؟ كيف سأستقبل أمي وحالها يرثى لها؟
كانت تبكي حبيبها كل ليلةٍ فهي ما زالت ترقُبُ عودته مع كل نسمة فجرٍ، وتشمُ رائحة عودته فلا تكاد تجده، ومعَ فرحةِ ولهفةِ العائدين وبكاء المستقبِلين وزغاريدهم تنتظر رؤيته من بينهم فلا تجده، وفي زحام الخطى وأصوات الأقدام يدق قلبها لعله هنا، لعله يطرق الباب وينادي بصوته الجميل أنا يا أمي فتفتح له لتأخذه إلى حضنها ذلك المأمن الذي كان يأوي إليه في صغره، ولكن كل هذا ينطوي ويزول عندما تنظر إلى حائط البيت وتجد صورة فلذة كبدها معلقة على الحائط موسومة بوسام الشهادة وجدتي تنظر إليها تحبس دموعها كعادتها وهي تجلس على أريكةٍ بجوار الباب تذكر الله وتدعو لأخي بالمغفرة ولأمي بالصبر والسلوان.
أمّا عن والدي، فالذي أعرفه منذ صغري أنه من الداخل أرقهم وأطيبهم، ولكنه يأبى أن يزيد من وجع أمي فيدّعي الثبات والصبر، ولكنه يبكي بصمتٍ وفي داخله ألمٌ أكثرَ من غيره وكل ذلك يبدو على ملامحه التي فاقت سنَّهُ، كان يبدو عليه أنه رجلٌ في الستين من عمره، ولكنه في الحقيقة لم يتجاوز الأربعين.
كان يربت على كتف أمي ويخبرها بأن اللقاء قريب وأن شوقَه لنا أشد فهو يشعر بنا كما نشعر به، وأنّ هناك موعدًا فيه يحيا الحبيب مع حبيبه وإنّ لنا لموعدًا معه هناك فما علينا غير الدعاءُ له وما ذلك على الله ببعيد.
وكذلك أنا، أختك المدللة التي كنتَ تخبرها بأنها أحب النساء إليك اليوم تفتقدك كثيرًا،
أفتقد زياراتك لي يا أخي وجلوسك مع أبنائي، كانوا يقولون لي نحب خالنا أكثر من غيره فهو أحسنهم وأنقاهم، صدَقوا يا حبيبي في وصفك فأنت الأحسن والأنقى
لقد كنت أرى فيك ما لا يراه غيري، سامحني، كنت أتنصت عليك وأستمع إليك وأنت تقوم الليل وتقرأ القرآن بصوتك العذب النقي، كنت أسمع مناجاتك وبكاءك، كنت أسمع تنهيداتك ودعواتك وأنفاسك الطاهرة وكنت أفرح جدًا حين أسمعك تذكرني في دعائك، كنت أقترب من الباب لأدخل عليك فأتذكر أنك لا تحب أن يطلع عليك أحد وأنت في خلوةٍ مع ربّك.
اليوم أدركت ماذا يعني أن يفقد الحبيب حبيبه..
ولكني لن أنساك لأن من الصعب أن ينسى الحبيبُ حبيبه، أراكَ دومًا متمثلًا في مخيلتي، ليتني عانقتك طويلًا يا أخي، ليتني نظرت إليكَ أكثر وتحدثت إليكَ أكثر.

فقدان الحبيب                                                                                                                                              أحمد أبو مالك

زر الذهاب إلى الأعلى