أدبي

فراق

قصة قصيرة

وقت النشر : 2021/12/20 05:25:43 PM

فراق
بقلم: نعمة رشاد حسن

اليومُ الأولُ بعد الفراق
لا شيء لأقوله الآن، فقط فراغٌ شديد وإحساسٌ موجع بالضياع. أهكذا انتهى كلُ شيء ؟ كيف فَعَلتها ؟!
صوت بكاءٍ خفيف- لا يهم – فلترحل، لا بأس؛ فأنا وبرغم كل شيء ..لا أستحق !!
******************
اليومُ الثاني بعد الفراق.
صوت جرس الباب العتيق.
نعم، أنا قادم، أشكرك.
آه، طعامٌ مُغلف – صوت أكياس عديدة- عذرًا، سآكل ذلك الطعام الذي لا قيمة له ومن ثَمّ أعود. يا للقرف! “صوت قيء شديد وبكاءٍ عنيف”
**************
اليومُ الثالثُ بعد الفراق،
لم أنم منذُ يومين، قال لي الطبيب إن علي أن آخذ أقراصا منومة. لا بأس، سأحاول ابتلاع تلك الأقراص ربما نمتُ قليلًا .. أحتاجُ أن أحكي قبل أن…. صمت.
*************
اليومُ الرابعُ بعد الفراق …
صوت جرس الباب .. نعم ..أهلًا طارق .. مرحبًا .. اتصلت مرارًا على المحمول ماذا بك؟ الرفاق ينتظرون، هيا لا تتأخر …
حاضر سأحاول…. أشعر ببعض الإرهاق.
ضحكة عالية.. لا تقل ذلك ..أنت موهوم فقط، هيا هيا”صوت مزلاج الباب يغلقُ من جديد” ************
اليومُ الخامسُ بعد الفراق …
نعم، لقد أقنعتُ الرفاقَ بأني مسافرٌ بعيدًا؛ لا أريدُ المزيدَ من الإزعاج !!- سعال – ما اعتدتُ الحديث عنها حديثَ الوداع”تنهيدة وصوت دخان سيجارة” ولكني لا أملك من أمري ولا أمرها الكثير… لا زلت أذكرُ وجهها الصَبوح إذ ترجوني أن أبقى وألا أمضي إلى حيثُ أنا الآن، ولا زلتُ أذكر قسوتي واندفاعي مغادرًا دنيانا القديمةِ دون أدنى إحساس بالندم”المزيد من الدخان وزفرة طويلة” قرع شديد على الباب – يووووووووووه ..من ؟
زبالة …
ليس لدي، ارحل من هنا !! …
آسف
“سعال” كما أذكرُ صمتَها الذي طال بعد عودتي التي كنتُ أظُنها ستعيد كل الأمور لنصابها، ولكن “ساعة الحائط تدق الثانية” ياااه! لقد نسيتُ طعامي الرديء فوق الموقد تبًا!” صوت مقلاةٍ وعدة أطباقٍ تتحطم فوق الأرض، بضعة شتائم وصمت طويل”
***********
اليومُ السادسُ بعد الفراق،
ثوانٍ .. فقط أرشفُ ما تبقى من كوب الشاي الرديء كالعادة. الحقيقة، أنا لا أجيدُ صنع تلك الأشياء، ولكني أحاول أن .. أعيش ….
كنتُ أقولُ إنَّ صمتَها قد طالَ حتى إنك قد تظن أنّنا في عالمين موازيين فلا أراها ولا تراني .. “صمتٌ مَقيتٌ مُذِلٌ لا نهاية له”
كانت تطعمُني وتسقيني كأي حيوانٍ بيتي أليف من باب الشفقةِ لا أكثر، ولكنها غيرُ عابئةٍ بأيّ شيء آخر “سعال شديد” أظنُ أنّ علي التوقفَ عن التدخين، ولكن ربما ليس اليوم …
ربما غدًا وربما….”صمت”.
**************
اليومُ السابعُ بعد الفراق …
أجلسُ فوقَ كرسيها المفضل. يا للراحة!
لعلي أشمُّ رائحتها فيه ..نعم ..تلك الرائحة. أممم ..بماذا أصفُها؟ هي خليط من عطرها وتلك الخلطة الساحرة التي تضيفها للقهوة “سعال” كم أشتاقُ لتلك الرائحة! سأرى إن كان لدينا بعضا منها
سعااا ..”صمت طويل يقطعه نهنهة ونحيب”
*************
اليومُ الثامنُ بعد الفراق ..
رحلتْ!! لا زلتُ لا أصدقُ ذلك، ولكنها الحقيقة.. كنت أظنُّ أني ملكتها، ربما لطولِ صبرها على حماقاتي التي كنتُ أظنُّها شيئًا عاديًا بل حقًا مكتسبًا.. وربما انتقام خفي من حياةٍ مملةٍ وعادية، أو هكذا كنتُ أرى حياتي الهادئة الخالية من المشكلات “تنهيدة أخرى” أنظرُ الآن للباب الذي خرجت منه، وبعضا من أشيائها التي تبعثرت هنا وهناك وأسألُ نفسي: هل ما أعانيه ندمٌ أم اشتياق؟ لا أجد تفسيرًا مُرضيًا، ولكني في النهاية صرتُ وحيدًا كشجرةِ عجوز ..يا للعجب!! ما زلت أنانيًا كما كنتُ دائمًا؛ لم أفكر سوى في تلك الوَحدة التي دخلتُها بإرادتي الحرة بغضِ النظرِ عمَّا سبّبتَه لها من جراحٍ مبرّحة منذ التقينا.
آه! ذلكَ الألمُ مجددًا..سأعودُ بعد قليل……
أشعرُ بقبضةٍ تعتصرُ قلبي، أهذا ما يسمونَه ألم الفراق، أم هو ألمٌ عاديٌ لقلبي المنهكِ بعد أن جاوزت الستين بكثير ..لا أعرفُ تحديدا، ولكنّ الألمَ لا زال يتصاعد… ووووووو..آآآآآآآآآآآه.
**********
اليومُ التاسعُ بعد الفراق …
صوت جار له “لم يظهر منذ أيام، زوجتُه قد غادرت وأغلقت هاتفها، لا نعرف تحديدًا ما الذي حدث”
لا بأس، سنكسرُ قفلَ الباب، ابتعدوا من فضلكم.
صوت الباب وقد انكسر…..
على أرضية الشقة كان الرجل جاثمًا على وجههِ ميتًا بشدة وإلى جواره ذلك المُسجل القديم الذي رفضَ أن يتخلصَ منه، والذي سجّلَ عليه آخرَ كلماته قبل تلك الأزمةِ القلبيةِ التي أوْدت بحياته.. يُذكرُ أنّه ورغمَ مرور عامٍ على وفاته ..لم يُعثر لزوجتِه على أَثر.

#تمت_المراجعة_والتنسيق_من_قبل_فريق_ريمونارف

ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى