أدبي

غياب

وقت النشر : 2021/12/21 01:04:03 PM

قصة قصيرة

غياب

بقلم: خالدحمدي

 

ذات صلة

ملَك!!

هل يعقل هذا!

لا، لا، هذه ليست شوارد أوهامٍ، أنا أعي تمامًا ما أقول، لا ليست تخاريف العَجَز، هي ملك ولا شك، إن لم غياب رؤيتها، فالرابض بصدري يصدق.

لم أنس تلك اللمعة بعينيها مهما تقدَّم بها العمر، لمعة تعبث بقلبي لتجعله تارة يموت، وأخرى تبعثه للحياة، كأنما ميعاد ميلاده وقيامته يأتيان بلحظةٍ واحدة.

تُطلق فيه ألف شحنة كهربية فيرتجف، وينتفض، ويستعذب الألم، لكنه يذوب عشقًا في هذه الحالة!

ربما لن يستطيع غيري التعرف عليها بعد تلك السنين المنصرمة، لكن قلبي لم يفعل، إن هي إلا جزء من اللحظة تذكَّرت فيها الماضي حين كانت تتدَّخر كل نظراتها لي، فيميل هو كغصن يحمل أثمارًا ناضجة، ويهفو ناحيتها كما تفعل الريح بالشذى.

 

هي ملك، مَن ملكت فؤادي، وغلَّقت عليه أبواب الفتنة، وهي مَن أبعدت عنه قلوبًا غادرة؛ قالت له يومًا هئتُ لك.

ما أجمل نسيم الصباح إذ تعطَّر من عبقها، وما أعذب الماء حين يغدو نميرًا إن غمست فيه عقلة من بنانها، وما أتفه نور الشمس أمام ثغرها المفتر عن ابتسامة مشرقة!

 

تحدوني ذكريات كثيرة تمر بسرعة البرق داخل عقلي الهرِم، لكني لا أريد أن أفوِّت الفرصة، سألحق بها، نعم سأترك هذا الكرسي، وهذه الجلسة وأتحرك مسرعًا نحوها.

سأقطع المسافات كما فعلتها من قبل، حتى أسالها لماذا ذهبت وتركتني وحيدًا في هذا العالم لأعاني ويلات الوحدة، وقسوة لياليَّ التي لا تنجلي، ومرارة العجز والكبر؟

سأخبرها أنَّ أطفالنا قد نضجوا وكبروا، وصار لهم أبناء، شغلتهم الحياة، تركوني، لكني سامحتهم كما سامحتك. سأخبرها عن رحيل جارتنا “فريدة “، وأصف لها حال قطتها التي ظلت تنشب قبرها وهي تموء كأم ثكلى، وتظل تنوح كل يوم وهي تقف أمام باب منزلها، حتى جاء ذلك الصباح فوجدناها بلا حراك، لم تتحمل فقدانها فذهبت إليها، ملعونة مرارة الوحدة.

 

لم أر ملك منذ تزوجت من ابن خالتها!

تزوجته وتركتني و..

كيف تزوجته؟ متى كان هذا؟! ربما كان قبل زواجنا، لا، لا بل كان بعد زواجنا، كنت قد أغضبتها، أغضبتها، وكيف أفعل وهي شريان حياتي، ووريد عاتقي، وشهيقي الذي يملأ رئتي؟!

 

لم أغضبها بيوم، فلماذا ذهبت وتزوجته؟ هل تزوجته؟ لا أدري..

أين طارق؟!

هذا المشاغب لم يشرب اللبن بعد.. سأخبر أمك عن هذا، سأخبر ملك أنك تضع اللبن في صحن قطة جارتنا فريدة، سألحق بها وأخبرها، ولكن هل ستتذكَّرني..

 

أطلت الحديث، وربما لا ألحق بها، نسيت شيئا، نعم أتذكر أني نسيت شيئًا؛ آااه، نعم، علي بالتحرك سريعًا وترك هذا الكرسي لأسألها لماذا ذهبت، ولماذا تركتـ..؟

هل ذهبت حقًّا؟ أين هي؟

ملك.. ملك..

كنت أود إخبارك أني أحبك، ولن أستطيع تحمل غيابك، فقط أردت ذلك…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى