أدبي

البحور الشعرية والأوزان الخليلية

الشعر والنظم والنثر

وقت النشر : 2021/12/26 06:27:33 AM

 

البحور الشعرية والأوزان الخليلية

بقلم: أشرف النعماني

الحلقة الأولى

الشعر والنظم والنثر

تعريف الشعر:
للشعر تعريفات كثيرة عند العرب، وكلها تتفق على أنه الكلام الموزون المقفّى، وعند الغرب يعرفه الشاعر الإنجليزي واتس دانتون بأنه التعبير المادي والفني للفكر الإنساني بلغة عاطفية ذات إيقاع.

ذات صلة

تعريف النثر:
يعرف النثر لغة بأنّه إفشاء الشيء أو نشره، أو إرسال الكلام بما لا يجعله خاضعًا لوزن أو قافية.

– إذن، هل يكفي اعتبار الكلام شعرا إذا ما كان موزونا ومقفى؟
= بالطبع لا، فالشعر ليس الوزن والقافية فقط؛ لا بد من وجود الشعور، وهنا علينا التفرقة بينه وبين النظم، فإن الشعر يمتاز بالعاطفة والخيال والصور، في حين أن النظم هو انتظام الكلمات في شكل موسيقى دون شعور أو عاطفة، فمن الشعر مثلا قول الشاعر محمود سامي البارودي:

هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي
يَشْفِي عَلِيلاً أَخَا حُزْنٍ وَإِيرَاقِ
قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً
حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي
حُزْنٌ بَرَانِي وَأَشْوَاقٌ رَعَتْ كَبِدِي
يَا وَيْحَ نَفْسِيَ مِنْ حُزْنٍ وَأَشْوَاقِ
أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرَاً وَهْيَ جَازِعَةٌ
وَالصَّبْرُ فِي الحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتَاقِ

ومن النظم مثلا:

قد نظم ابن مالك ألفيهْ
أجادها نحوية صرفيه

ويكون الغرض من النظم التعليم كالمتون، مثل ألفية ابن مالك في النحو وغيرها الكثير
أما ما نسعى له نحن الشعراء فهو الشعر وليس النظم وكما قال شوقي:
والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة
أو حكمة فهو تقطيع وأوزانُ

وكما قال شاعر العراق جميل صدقي الزهاوي:
لقد قرَضَ الشِّعرَ الكثيرون في الورى
وأكثرهُ ما فيه روحٌ ولا فِكْرُ
إذا الشِّعرُ لم يهززكَ عند سماعه
فليس خليقًا أن يُقالَ له شِعرُ

– فما هو علم العروض؟
= علم العروض هو علم ميزان الشعر الذي يختص بتميز صحيح الوزن من فاسده، ويعتبر هو المقياس الفني الذي تعرض عليه الأبيات الشعرية لنتأكد من سلامة وزنها،
ويمكنا القول بأنه أداة للمتذوق، وأداة للناقد، فبه نتذوق أنغام الشعر، وبه ينقد الكلام ويخرج من دائرة الشعر لكونه منثور لا موزون.

واضع العلم هو العالم الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدي العماني
ترجم له الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء، فقال: الإمام، صاحب العربية، ومنشئ علم العروض، أخذ عنه سيبويه النحو، والنضر بن شميل، وهارون بن موسى النحوي، ووهب بن جرير، والأصمعي، وآخرون، وكان رأسا في لسان العرب، ديّنا، ورعا، قانعا، متواضعا، كبير الشأن، يقال: أنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه، ففتح له بالعروض..
وقال النضر: أقام الخليل في خُصّ ( بيت من شجر أو قصب أو البيت الذي يسقف بخشبة) له بالبصرة، لا يقدر على فلسين، وتلاميذه يكسبون بعلمه الأموال..
وترجم له الأديب والمؤرخ الدمشقي ابن فضل الله العمري في كتابه ” مسالك الأبصار في ممالك الأمصار” قائلا: الخليل بن أحمد، أبو عبد الرحمن هز من أغصان الأدب وريقها، ورشف ألسنة العرب وريقها، وهو إمام القوم ولسان القول، رأس أهل التعليم، والخليل حاسده الكليم ومؤسس القواعد، وإن لم يكن الخليل إبراهيم، ومستنبط العلم الذي ما سبق إليه إلا وقع خاطر امرئ قبله، افترع منه العذراء، واخترع منه ما ضبط به الشعراء، أتى منه بعلم جليل، أحسن إحسانا أصبح فيه الناس ضيوف الخليل.
وعنه قال حمزة الأصفهاني:
( إن دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم يكن لها أصل عند علماء العرب أفضل من الخليل بن أحمد، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه، ولا عن مثل تقدمه احتذاه، وإنما اخترعه في ممر له بالصفارين من وقع مطرقة على طست)

وقد رُوى في خبر موته أنه كان يعمل على وضع طريقة للحساب حتى لا تغلب جاريته إن دخلت السوق فاصطدم رأسه بعمود دون أن ينتبه لذلك من استغراقه في التفكير..
وقال الكسائي: مات والله الفهم يوم مات الخليل.

وقد أقر أئمّة العربية قديما وحديثا بصعوبة علم العروض حتى قيل أن الأصمعي وهو من هو في علوم العربية، ذهب للخليل يطلب علمه في العروض ومكث مدة، ولم يفلح حتى يئس الخليل منه، فقال له يوما قطّع هذا البيت ( التقطيع العروضي)
إذا لم تستطع شيئا فدعهُ
وجاوزه إلى ما تستطيع
فذهب الأصمعي ولم يرجع، فتعجب الخليل من فطنته.

وكان الإمام اللغوي ثعلب لا يحسن العروض
أمّا النظّام وهو رأس للمعتزلة وتلميذه الجاحظ دفعتهم عصبيتهم لمذهب المعتزلة أن يغمزوا علم العروض لكون الخليل بن أحمد من أهل السنة
فقال النظّام: إن دوائر الخليل لا يحتاج إليها غيره
وقال الجاحظ: إن علم العروض علم مستبرد، لا فائدة منه، ولا محصول.

– هل اخترع الخليل الأوزان والشعر؟
= تلك الشبهة والفرية التى تنطلي على الضعفاء حين تحدثهم بضرورة تعلم العروض، يسارعون ويعلو صوتهم قائلين كأنهم قالوا ما لا يعرفه أحد قبلهم، الخليل جاء بعد الشعر والشعر أسبق منه، ونحن نكتب كما كتب من كانوا قبل الخليل.

فترد عليهم الشاعرة الناقدة الفذة نازك الملائكة في رسالتها للشاعر العربي الناشئ:
( تناول دراستك التى تتهيأ بها لمستقبلك الشعري، وأول بند ينبغي لك أن تدرجه فيها هو دارسة العروض العربي، فإذا ما أحسستَ في نفسك علامات الموهبة الشعرية، فبادر باقتناء كتاب أو كتابين جيدين في علم الأوزان، واشرع في دراستهما، واحذر مما يشاع في عصرنا من أن الشاعر الملهم يولد عالما بالأوزان، فهذه فكرة مترجمة من الآداب الغربية، وقد أساءت لشعرنا إساءة واضحة، ولو صحت لكان معناها أن سبعين بالمائة من شعراء اليوم غير موهوبين لأنهم يرتكبون أغلاطا عروضية غير هينة، والمضحك أن هؤلاء الذين يرتكبون الغلط في الوزن يفخرون أحيانا بعدم دراستهم للعروض.
وحقيقة الأمر أن الشاعر الموهوب يستطيع أن يضبط الأوزان بكثرة ما يقرأ من الشعر السليم دون أن يحفظ أسماء البحور وتفعيلاتها وتشكيلاتها، وإنما المحظور أن هذه القراءة ينبغي أن تبلغ من السعة والكثرة درجة قلما يطيقها شاعر معاصر، فضلا عن أن في عروضنا العربي أوزانا معينة لا تجد لها استعمالا إلا نادرا؛ في زوايا الكتب، فمهما كان حظك من الإطلاع بقى علمك بها لا يكفي لمعرفتها وضبطها، لذلك فإن الطريق المختصر إلى ضبط الوزن أن تبدأ حياتك بدراسة بحوره لكي تفرغ منها وتتفرغ للإبداع الشعري..

إن دراسة العروض الكامل ستصقل حاستك الشاعرة، وتمنحك قدرة موسيقية لا تتخيلها وما تراه من غلط ونشاز وركاكة في الشعر المعاصر فهو راجع إلى جهل أغلب شعرائنا بالأوزان، وانخداعهم بفكرة الشاعر الملهم)

ونقول بأن هناك فارق كبير بين العروض والبحور، فلقد كانت العرب تعرف البحور والأوزان ممارسة واستعمالا كقالب موسيقى قبل الخليل، كما قال ابن رشيق القيرواني- رحمه الله-:
كان الكلام كله منثورا فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها وطيب أعراقها وذكر أيامها الصالحة وأوطانها النازحة وفرسانها الأنجاد وسمحائها الأجواد لتهزّ أنفسها إلى الكرم وتدلّ أبناءها على حسن الشيم، فتوهّموا أي فطنوا أعاريض جعلوها موازين الكلام، فلمّا تمّ لهم وزنه سمّوه شعرا لأنهم شعروا به

– إذن، ماذا فعل الخليل؟
= الخليل لم يخترع البحور إنما اكتشفها، وأخذ شعر العرب ومنه خرج باختراع العروض، فأسس بنيانا لم يكن موجودا قبله، ووضع له القواعد للقادمين من بعده، فالعرب عرفت الشعر بالتلقين والحفظ، فمن أين لنا اليوم بمثل بيئتهم العربية الصرفة، ولقد كان من دواعي وضع النحو اختلاط العرب بغيرها من الأمم، وهو أيضا من دواعي العروض..

البحور الشعرية والأوزان الخليلية

قصة اختراع علم العروض؟
روى أبو الأخفش عن الحسن بن يزيد أنه قال: سألت الخليل بن أحمد عن العروض، فقلت له: هلا عرفت لها أصلا؟
قال نعم، مررت بالمدينة حاجّا، فينما أنا في طرقاتها إذ بصرت بشيخ على باب يعلم غلاما وهو يقول: قل:
نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم
نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا
قال الخليل: فدنوت منه، فسلمت عليه، وقلت له: أيها الشيخ، ما الذي تقوله لهذا الصبى؟
فذكر أن هذا العلم شيء يتوارثه هؤلاء الصبية عن سلفهم، وهو علم عندهم يسمى التنعيم لقولهم فيه: نعم
قال الخليل: فحججت ثم رجعت إلى المدينة فأحكمتها.

– من المستفيد من هذا العلم ومن يحتاج إلى دراسته؟
١- يحتاج إليه الشاعر الموهوب فى أول طريقه حتى ينمي موهبته ويبتعد عن الانحراف والخطأ فى الوزن، فانحراف الوزن يضيع النغمة الشعرية.
٢- كلنا يعلم أن القرآن الكريم والحديث النبوي ليسا من الشعر، ومن خلال دراسة العروض سترى هذا بنفسك.
٣- من خلال دراسة العروض تكتسب القدرة على تمييز الكلام وتصنيفه؛ أهو شعر أم نثر؟!
٤- تساعدك العروض فى قراءة الشعر قراءة سليمة، ومعها تتذوق جمال الإيقاع الموسيقي للشعر.

البحور الشعرية والأوزان الخليلية

المصادر والمراجع:
١- سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي
٢- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، لابن فضل الله العمري
٣- العمدة في محاسن الشعر، ابن رشيق القيرواني
٤- سيكولوجية الشعر نازك الملائكة
٥- المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، د. إميل بديع يعقوب
٦- النهاية في علم العروض، عبد الحميد ضحا
٧- العروض التعليمي، د. عبد العزيز نبوي
٨- موسوعة موسيقى الشعر العربي، د. عبد العزيز نبوي

البحور الشعرية والأوزان الخليلية

تمت المراجعة والتنسيق من قبل ريمونارف.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى