أدبي

أريد الكتاب، لا أريد الحمص

وقت النشر : 2022/05/23 12:01:58 AM

أريد الكتاب، لا أريد الحمص

بقلم: علي عطار

هذا الصباح الخريفي، خرج الطالب مبروك من غرفته متجها نحو الكلية، لا شيء في السماء ينذر بتقلب الجو،

إذن لا ضرورة لارتداء ملابس سميكة، ولا ضرورة حتى لتناول وجبة الفطور، ولا ضرورة لأن يستقل الحافلة.

صوت والده يتردد في خاطره: ما هذه الدراسة التي اخترت يا ولدي، يا مبروك، هل حقا هذه الفلسفة تدفع الناس لنكران وجود الله؟

فجأة تكفهر السماء، وتبدأ قطرات المطر تصب شآبيب غضبها على الجسد النحيل شبه العاري،

لا مناص من مواصلة السير رغم زخات المطر والريح التي تدفع بقوة عكس الاتجاه،

القميص الخفيف لم يحم صدره من القر ولا من البلل، لكن عشق الفلسفة يجعل كل صعب هينا.

وصل إلى المدرج مبللا من رأسه إلى أخمص قدميه، ودلف إلى الصف الأمامي،

وقعت عينا الدكتور الجابري عليه وهو ينزع الخرقة التي كانت على صدره،

ويعصرها مخلفا بركة صغيرة بين قدميه، ويعيد ارتداءها، ويواصل تتبع المحاضرة دون أن يسجل شيئا على الكراس الذي فتته مياه المطر.

طيلة اليوم ورغم شدة البرد لم يقع في معدته أي طعام، الليل يحل مسرعا في هذا الفصل القاسي على البؤساء مثله،

وفي طريق عودته إلي غرفته تهاجم خياشمه روائح المأكولات المنبعثة من مطاعم باب الأحد،

لكنه يعرف أنها محرمة عليه، يسرع الخطو ليبتعد عن هذه الروائح التي تلاحقه،

لكن ألم الجوع يعصره من داخله، يقف عند بائع الحمص والزريعة يطلب أن يزن له مقدار درهمين من الحمص.

أمسك البائع كتابا قديما، وهمّ بقطع ورقة منه ليلف الحمص، وقعت عيناه على عنوان الكتاب

فصرخ: ” توقف، لا تمزق، لا أريد الحمص، أريد الكتاب”

الطفل الكبير

حينما أطلت سيدة نحو الساحة الصغيرة المخصصة للعب الأطفال، لم يكن هناك سوى كهل يلعب كطفل.

كان مستمتعا بلعبه، وضحكاته عالية وصلت

 إلى آذان السيدة، حدقت مليا لتعرف هوية الرجل “إنه هو، نعم، هو جارنا الذي يقطن الطابق الخامس، لا شك أن المسكين فقد عقله”

 انتابها حزن عميق؛ لأن الرجل المعروف برزانته أصبح يتصرف كطفل، لم تدر أن فرحة الرجل الكهل باستعادة طفولته لا حد لها.

أريد الكتاب
أريد الكتاب

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى