أدبي

أنتَ ما تختاره

وقت النشر : 2022/03/26 11:00:11 PM

أنتَ ما تختاره

بقلم: شيرين شيحه

حياة الإنسان مجموعة من القرارات والاختيارات، بل ما هو نفسه إلا محصلة ونتيجة لها، وإذا كان الأطباء يقولون:”أنت ما تأكله” فأقول: “أنت ما تختاره، أنت ما تقرره”

أرى الاختيار هو ” الأمانة” الأولى التي وضعها الله سبحانه بين كفيّ أبينا آدم عليه السلام

اختر الكفر أو الإيمان، اختر الخير أو الشر، اختر الحب أو الكره.. أنت حر، ولكنك في النهاية ستكون ما تختاره..

أنتَ ما تختاره

حتى السعادة اختيار، والتعاسة أيضا اختيار..

لا تقل إن الدنيا مُعرضة عني؛ فربما أنت الذي اخترت أن تعطيها ظهرك.

لا أنفي بكلامي هذا حقيقة وجود ابتلاءات في حياة الإنسان لا دخل له فيها قد تغير مسار حياته وتوجهه إلى طريق أخرى في الدنيا، وتضفي عليه قدرًا من الحزن والتعاسة والألم،

أنتَ ما تختاره

ولكن أقول: إن اختياراتنا وقراراتنا حيال هذه الأمور القدرية هي في الحقيقة ما تحقق نجاتنا منها أو الوقوع في شراكها، هي ما تصنع مستقبلنا، وهو ما يصنعنا.

عندما يقول سبحانه في كتابه الكريم “وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا” يحثنا على الدفاع عن حظوظنا في هذه الحياة، وأي دفاع دائمًا يحتاج إلى قوة، ولا أقصد هنا القوة البدنية بالطبع، بل قوة الإرادة، قوة العزيمة، قوة التحمل والصبر، أي القوى التي تمنحك الشجاعة على الاختيار واتخاذ القرار وتحمّل التبعات.

الشجاعة ليست فقط في الإقدام على الموت في النزال والحرب، الشجاعة الأعظم في الإقدام على الحياة في حربك مع الدنيا..

أنتَ ما تختاره

كانت السيدة مريم العذراء – أم المسيح عليهما السلام- فتاة وحيدة لا سند لها ولا قوة إلا بالله،

ابتُليت بما لا تستطيعه امرأة غيرها، كان ابتلاءً شديدًا حتى أنها تمنت الموت خلاصًا منه “فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا”

كان أمامها خيار أن تقتل نفسها أو أن تهرب من قومها بوليدها، أو…أن تواجه

أنتَ ما تختاره

واختارت الخيار الأصعب، وأخذت القرار الأقسى “المواجهة”

وكانت من قررت واختارت، واحدة من سيدات نساء العالمين

ابتُلي سيدنا يوسف بفتتة النساء فجاهد ولم يركن إلى شهوة نفسه، لم يختر الطريق السهلة “الغواية” بل توكل على ربه واختار الطريق الأشقى والأصعب

“قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ”

اختار، وقرر، وتحمّل فكان هو نفسه نتيجة اختياره “عزيز مصر”

والمواقف كثيرة وعظيمة من حياة سيد المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء والمرسلين من قبله، من حياة الزعماء، والقادة، والفلاسفة، والمفكرين، والمصلحين الذين اختاروا دروبهم في الدنيا، فاحترمتهم الدنيا رغم معاندتها لهم وقسوتها عليهم..

أنتَ ما تختاره

الدنيا لا تحترم الجبناء والمتخاذلين، الدنيا تحترم قوي الإرادة، صاحب النفس المترفعة والروح السامية، تحترم صاحب الاختيار، القادر على القرار.

كلنا في هذه الدنيا أصحاب اختيار، قادرون على القرار، حتى الزاهدون فيها أصحاب قرار؛ ألّا تكون في حساباتهم، ألا يجعلوها لا في أيديهم ولا في قلوبهم، فاحترمتهم الدنيا رغم سخطها عليهم، وحاولت بكل فتنتها أن تغزو قلوبهم التي نذروها لله، أو نفوسهم التي عافتها ولم تستطع الانتصار عليهم.

أما الخائف الذي يركن إلى التحسر على حاله دون أن يجهد نفسه ولو بخطوة نحو الأمام لتحسين هذه الحال، فإنها تلهو به وتذروه كريشة في مهب رياحها العاتية.

أنتَ ما تختاره

النخيل يقاوم الرياح حتى ينكسر، والشجر يموت واقفًا، النحلة تموت وهي تُخرج العسل، النمل يموت وهو يعمل..

علمَتْ النباتات والحيوانات الحكمة من الحياة فاحترمتها الطبيعة، واحترمتها الحياة..

أنتَ ما تختاره

كلنا يعلم أن هناك بالتأكيد حياة بعد الموت.. فهل أدركنا أن هناك حياة أيضًا – نستطيع أن نجعلها جميلة- قبل الموت؟!

تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق ريمونارف

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى