أدبي

حَرَرَهَا فأسَرَته

وقت النشر : 2022/04/11 12:48:06 PM

حَرَرَهَا فأسَرَته

بقلم: مروة جمال مهدي

ماريَّا“، لم تكن مجرَّد أميرة مدلَّلة رائعة الجمال فحسب، ولم تكن أيضًا فتاة عابثَة تأتي بخدنها ليلًا كالأخريات،

بل كانت قوية صَارمة،بالأحرى هي فتاة محَاربة، “قشتالية” العقيدة، تمتلك من الجمال والسحر ما من أجله يركع ملوك الغرب جميعًا،

سقطت ماريا أسيرة بقبضة المسلمين أثناء حرب الأرك، وبالمعسكر كانت وكأنها فرس برِّيٍّ جامح لا يمكن ترويضه،

فلم تكن لتتنازل قط عن هيبتها وكبريائها، ولم تنسَ للحظة أنها أميرة ابنة ملكة، فنظرة الاعتداد لازالت تملؤها..

حتى ظهر “شهاب الدين” ذلك الفارس المغوَار، الذي يحمل في جينَاته أخلاق فرسان العرب،

وبين ضلوعه قلبًا خفَّاقًا، يحمل ملامحًا آسرة لم تعهدها ماريا في بني جلدتها،

رغم قوة شكيمته، وحضوره المهيب، لكن قلبها الأصم اختلج تحت سهام نظراته الحييَّة

الآن صارت متيمة عاشقة، بل صارت أسيرة تنتظر عبق طلَّته لتعود إليها روحها!

ماذا حدث بالمعسكر هناك؟

هل يسطر التاريخ قصة حب جديدة قد تكون مستحيلة؟

في تلك القبيلة، خرج القائد متفقدًا حال رعيته من مقاتلين وغيرهم، وفي أحد الأيام تفقد القائد جميع الأسرى فوجدهم في أفضل حال،

هزّ رأسه مستبشرًا لصنيع رجاله واتباعهم لأوامره التي أصدرها بحقهم، سمح القائد للأسرى بممارسة الحياة كغيرهم في القبيلة مع المراقبة الدائمة لهم،

في مطلع يوم مشرق حافل بالنشاط بدأ القائد بتدريب الجنود في عزمٍ يصل عنان السماء، اندهش القائد حينما رأى ماريا تشاهد التدريب.

خرجت ماريا إلى الساحة علها تقتل الوقت إلى أن يمنَّ الله عليها بواقعٍ كالذي ترنو إليه، بينما كان الجنود يتدربون حدثت تلك الحادثة،

فبينما كان القائد متعمقًا في التفكير وصلت إحدى السهام إلى كتفه،

انتبهت ماريا من شرودها على صوت الجنود، فحثت الخطى مسرعةً نحوه لإنقاذه بالرغم من تزاحم الجميع عليه متعدية صفوف الجنود حتى وصلت إليه

، أمسكت السهم بكلتا يديها لتنتزعه، فتبسم القائد لصنيعها ابتسامة الواثق:

 -كنت واثقًا من هذا، ظننتُكِ مختلفة عنهنّ.

لم تعِ ماريا سر تلك الكلمات، مضت نحو خيمتها واستراح جسدها لكن بالها لم يسترح، باحثًا عن مقصود تلك الكلمات لكنه لم يهتدِ لشيء،

انتابها الفضول فذهبت تطلب من الحراس مقابلة القائد لأمر طارئ، بلغ الحراس قائدهم بأنّها تودّ رؤيته فسمح بذلك وتقابلا وأخذا يتبادلان الحديث،

وما أن وصل الاطمئنان لقلب ماريا حتى سألت القائد بمقصد كلماته تلك،

عندئذٍ أوشك القائد على الإجابة لكنّ أحد الحراس أخبره بقدوم ضيفٍ هام، فاستأذنته ماريا منصرفة تندب حظها، تنوي على فعل شيءٍ ما.

سحّت دموعها حتى لبست السماء قميصها الأسود، وسمعها القائد تنادي بصوتٍ مكظوم:

– أيّها الحظ، أما آن الوقت لتطرقَ باب قلبٍ تلهف طويلاً لمجيئك؟

أما آن أن يبسطَ الحبُّ أجنحته لأتخلص مِما أنا فيه؟

أخذ النّور يخبو، انطفأ السراج،

غفت عيناها دون أن تصل إلى ما عزمت عليه.

في أحد الأيام، صادفت ماريا طفلة متسولة في القبيلة لفحتها أشعة الشمس، تمكّن الجوع من أجزائها، هز قلبها نظرات الطفلة إليها كأنها تناديها بصوت خفي:

– أتضور جوعًا يا سيدتي.

رمقتها ماريا بنظرة عطف، اقتربت منها، أمسكت يدها ذاهبة بها إلى خيمتها، جادت عليها بكل ما تحتاجه من طعام وثياب،

خرجت الطفلة مسرعة والبِشر يملأ محيّاها، اصطدمت بالقائد فرفعت رأسها، وإذا بها ترى القائد من اصطدمت به ارتعدت أوصالها، اتسعت حدقتاها،

 أردفت في أسفٍ شديد:

– أعتذر يا سيدي.

زاحم اللطف كلماته، أجابها بهمسٍ شفاف:

– بُنيتي، الأفضل ألا تقتربي من تلك الخيام فهي خاصة بالأسرى، عندما تحتاجين لشيء عليكِ بإخبار الحراس، خطى خطوات قليلة، استوقفته الطفلة بقولها:

– يا سيدي.. في تلك الخيمة امرأة قدمت لي ما عجز عن تقديمه الرجال الأشداء والقادة الأثرياء.

 ثم أكملت الطفلة طريقها، ثبت القائد في مكانه يسترجع ما قالته الطفلة كلمات تتردد صداها على مسامعه، استدار يمنة، لمح ماريا تشهد ما حدث،

ابتسم لها ابتسامة تعبر عما في داخله من الشكر والرضا عنها.

 في الأوانة الأخيرة، بدأ القائد شهاب الدين يُبادل ماريا نظرات يملؤها الاحترام.

يا ترى هل سيسقط شهاب الدين هو الأخر صريع حبها؟

كيف ستسير الأحداث تباعًا؟

في كل يوم كان القائد شهاب الدين يستيقظ بنشاط ذاهبًا إلى ساحة التدريب، يرسل احترامه مع نسيم الصباح العذب لماريا التي تأتي لمشاهدته وهو يدرب الجنود،

أيام قلائل أصبح القائد يتغذى من نظرات ماريا الساحرة، غدت أيام القائد بيضاء بعد أن أصبح يرتشف من ود ماريا،

في كل ليلةٍ وضحاها تقابله دون انقطاع، تبادله النظرات حتى بدا لهُ بأنها تحبه..

 من الذي سينتصر بتلك الحرب؟ هل هي سهامُ الرميَّة؟ أم أنها سهام الحب؟

مضت الأيام ثبُتَ حب ماريا في قلب القائد شهاب الدين.

في صباح يوم برزت شمسه من خدرها، كان القائد يرتقب مجيء ماريا، لمحتها عيون وده فـ تنفّس الصعداء، حدّق بها مليا هامسًا لها:

– إنهُ الشغف يا ماريا تهافتُ إليه،

 حين أدبرتُ عنه لم يكف بالي عن التفكير بكِ قمت بتحريركِ من الأسر ووقعت أسيراً بين يديكِ

تبسمت ماريا هاتفة:

– لطالما حلمت بهذا أيها الفارس الشجاع.

ظنّ أنه حلمُها المنتظر، في أحد اللقاءات الحميمة أهداها القائد حريتها الكاملة، فأهدتهُ أكبر من ذلك،

دارت بينهما لقاءات متكررة بمشاعر تتكاثر شيئًا فشيئا، أردفت ماريا في نفسها لابد أن تعود المياه إلى مجاريها، وما أن لبس النهار ثوبه الأحمر،

استدارت ماريا وركضت مسرعة نحو طريق الخروج من القبيلة لمحها القائد تسقط أرضًا لسرعة خطاها فذهب لتلقفها لكنه لم يتمكن،

فشلت قدماه باللحاق بها، استرجع القائد ذكرياته بعدما صادته تلك الأسيرة:

– ماذا لو احتضنت حبها حين أتتني عاشقة باسطة إليّ جناح الهوى،

وحققت لها ما كانت تردده مرارًا

 “أما آن أن يبسط الحب أجنحته لأتخلص مِمَا أنا فيه.”

هكذا عاش القائد تحت ظل حبها بعد أن غادرت القبيلة دون اكتراث!

بعد أيام …

 أذكت الصبابة جوانح القائد شهاب الدين واشتعلت نيران الشوق فيها خرج القائد قاصدًا قبيلة تلك الأسيرة علّ نيران صبابته تخمد عند رؤيتها،

قطع مسافاتٍ طويلة وطيفها كان حارسه ومرافقه طوال الطريق، وصل قبيلتها وقام بالسؤال عن ماريا فأرشده أحد السكان إلى مكانها،

تسارعت خطاه وتزايدت نبضات قلبه حنينًا، وصل إليها استقبلته استقبال على شاكلتها؛

ضحكة سخرية أطلقتها حين رأته فرمته بسهام فاهها، حروف كالرصاص هي ما نطقتها ماريا لكن القائد مايزال يدقق النظر إليها سابحًا في بحر حبها إلى أن صرخت عليه بغلظة:

– أليست الحرب خدعة؟

لم يجبها القائد ومازال يحدق في عينيها حتى اقتربت منه هامسة:

– يالك من أبله!

 إنّ لكل شيء ثمن وثمن حريتي كان خداعك.

حَرَرَهَا فأسَرَته
حَرَرَهَا فأسَرَته

 

زر الذهاب إلى الأعلى