مقالات متنوعة

عادات وتقاليد رمضان في إندونيسيا 

وقت النشر : 2022/04/25 10:19:56 AM

كتبت: أمينة حاتم

حينما وطأت قدمايّ -لأول مرة- مطار سوكارنو هاتا الدولي بالعاصمة الإندونيسية “جاكارتا” الواقعة في قلب جزيرة جاوه، ورغم ما قرأته عن أندونيسيا -لما تقتضيه هذه السفرة من مهام- إلا أنني لم أتوقع أن تقع عيناي أول ما تقع على تماثيل لآلهة بوذية على طول الطريق من بوابة الخروج من المطار، والكثير من المعابد الهندوسية بألوانها الزاهية وعمارتها المميزة، وبدأت أتساءل في حوار داخلي بيني وبين نفسي “أين المساجد ودور العبادة الإسلامية؟!” فأندونيسيا -تلك الدولة الآسيوية الواقعة تحديدًا جنوب شرق قارة آسيا- هي دولة ذات طابع خاص لأنها أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، والذي يبلغ عددهم قرابة 279 مليون نسمة، من بينهم ما يزيد عن 88% مسلمون، أي ما يزيد عن 13% من إجمالي مسلمي العالم، ويوجد بها 900 ألف مسجد على مساحة مليون وتسعمائة ألف كيلو متر مربع وأكثر بقليل في صورة جزر تتعدى 17500 جزيرة، ولا يفوتني هنا التنويه عن أن الإسلام بدأ في الظهور بأندونيسيا من خلال التجار المسلمين في القرن الثالث عشر، واستقر كديانة بها في القرن السادس عشر.

تساءلت وأنا في طريقي من المطار إلى مقر السكن “أين الأزهر الشريف؟!” وكلنا في مصر نعرف كيف أن العلاقة بين الأزهر وإندونيسيا علاقة قديمة ومستمرة في تزايد؛ علاقة بدأت منذ عدة قرون، حينما قدم الطلاب الإندونيسيون منذ أكثر من قرن ونصف إلى مصر للارتواء من علوم الأزهر وجامعاته على اختلافها، وعلى يد شيوخه الأجلاء، حتى أن الأزهر خصص أحد أروقته وأسماه «الرواق الجاوي» نسبة إلى أكبر جزر إندونيسيا، وهو رواق لا يزال موجودا حتى اليوم بالجامع الأزهر، إضافة إلى “رواق إندونيسيا” الذي أُنشيء حديثًا على يد خريجي الأزهر من أبناء إندونيسيا، وقد تخرج في أروقة الأزهر وكلياته العديد من رموز النهضة الأندونيسية ومنهم -على سبيل المثال لا الحصر- عبد الرحمن وحيد رئيس إندونيسيا السابق الذي شغل منصب رئيس الجمهورية خلال الفترة من 20 أكتوبر 1999، وحتى 23 يوليو 2001.

عادات وتقاليد رمضان في إندونيسيا 
عادات وتقاليد رمضان في إندونيسيا

وحينما وصلت إلى قلب العاصمة جاكارتا التي أخافتني من عدد الدراجات الهوائية والبخارية التي لها الأولوية في السير على السيارات ووسائل النقل العام، ولا يمكن للعين المجردة عدها من كثرتها في الشوارع بالآلاف المؤلفة، وسط هذا الصخب والازدحام، إذا بي أقرأ لافتات كبيرة كتبت باللغة العربية واللغة الأندونيسية تهنيء بشهر رمضان الكريم، وتستقبل بالحفاوة والتبجيل زيارة ممثلي الأزهر لجامعة ” شريف هداية الله الإسلامية الحكومية” التي تأسست رسميًا في الأول من يونيو لعام 1957، وترجع بداياتها إلى عام 1940، ومسجد ” الأزهر” الذي اكتمل بناؤه عام 1958 بمجمع مدارس الأزهر جنوب العاصمة جاكارتا.

بتحليل المشاهدات الأولى والثانية، من معبد وآلهة، ثم جامعات إسلامية ومراكز دينية، وغالبية مسلمة، يتضح لنا ما تتمتع به أندونيسيا من تسامح ديني حيث يقر الدستور الإندونيسي الحرية الدينية، بينما تعترف الحكومة رسميًا بست ديانات فقط هي الإسلام، البروتستانية، الكاثوليكية، الهندوسية، البوذية، والكونفوشيوسية، وهو ما يرجع إلى التعدد العرقي والإثني حيث يوجد بها 300 إثنية.

ومع قضائي لشهر رمضان المعظم في ربوع أندونيسيا، فقد استهواني التعرف على عادات وتقاليد الشعب الأندونيسي في رمضان، وها أنا أنقلها إليكم لتشاركوني هذه المعرفة.

عادات وتقاليد الشعب الأندونيسي في رمضان

في أندونيسيا -تلك الدولة السنية- يحددون بدء شهر رمضان من خلال استطلاع هلال شهر رمضان كغيرهم من الدول، ولكن منهم أيضًا من يحدد بداية شهر الصيام بحركة المد والجزر في مياه المحيط بعد مغرب يوم 29 شعبان، فإذا ما حدثت مرحلة مد وحدث فيها ارتفاع بمنسوب معين لمياه المحيط، كان ذلك إيذانًا ببداية شهر الصوم في اليوم التالي، وإذا لم يصل منسوب المياه إلى القدر المحدد، فإنه يعني أن شهر شعبان ثلاثون يومًا، وهو ما يعني اختلاف يوم الصوم لدى البعض.

عادات وتقاليد رمضان في إندونيسيا 
عادات وتقاليد رمضان في إندونيسيا

يستقبل الأندونيسيون الشهر الكريم بتزيين المساجد والمنازل، وتغلق في هذا الشهر المقاهي، والنوادي الليلية، والمطاعم، وبمجرد تحديد بداية شهر الصوم تستمع إلى صوت” البدوق”، وهي الطبول الأندونيسية التقليدية كبيره الحجم التي توضع فوق شاحنات صغيرة، ويجوب بها الشباب الشوارع والميادين احتفاءً بقدوم رمضان، كما يقرعونها أيضًا في وقت الفطور والسحور، وهي من الطقوس الشعبية ذات البعد الديني.

ومنذ اليوم الأول من رمضان، يقوم الأندونيسيون بفتح بيوتهم بشكل متكرر للإفطار الجماعي ولكل من تعامل مع صاحب البيت، ليس فقط من أجل أن يؤجروا بأجر إفطار صائم، ولكن ليتصالح المتخاصمون ولتصفية النفوس والتسامح ما بين المتشاحنين، ولا يغادر المفطرون منزل صاحب الإفطار إلا بعد أن يقولوا له بأنهم قد سامحوه وغفروا له ما قد يكون بدر منهم ، ولا يتم إفطار التسامح هذا في البيوت فقط، ولكن أيضًا في المساجد، وهو تقليد متأثرين فيه بقدر كبير بالمدرسة الصوفية.

يفطر الصائمون في إندونيسيا على التمر أو التمر واللبن إقتداء بسنة الرسول الكريم ، أو يفطرون على مشروب ” تيمون سوري”، وهو مشروب الشمام لما تشتهر به اندونيسيا من تنوع وغزاره فى محاصيلها من الفواكه والخضروات، ويتناولون هذا المشروب مع حلوى “الكولاك” المكونة من البطاطا المحلاه بالسكر البني وجوزالهند أو لفائف الجلاش المقلى ومحشو بحشوات مختلفه ويعرف لديهم باسم ” لفائف الريسول” ، وبعدها يتجهون إلى المساجد المنتشرة في كل مكان لصلاة المغرب والعشاء، ثم التراويح التى يصلوها فى بعض المساجد ثمانى ركعات بينما يصلوها فى مساجد أخرى عشرين ركعه وكذلك صلاة التهجد حتى آذان الفجر. وخلال ذلك إما يعودوا لمنازلهم لتناول وجبة الإفطار الرئيسية أو يظلوا بالمسجد ويتناولوا إفطارًا جماعيًا به. وسواء كان إفطارهم بالمنزل أو بالمسجد فهو لا يخلوا من الأرز المسلوق وقد يكون مغلفا بأوراق الموز أو أوراق جوز الهند، أو الأرز المحمر بزيت جوز الهند مع القليل من اللحم الاحمر أو الأبيض أو الأسماك التى يتناولونها بكثره لما تشتهر به أندونيسيا من إنتاج سمكى فهى تحتل المرتبة الثانيه عالميا فى صيد الأسماك بكميه تقدر بقرابة سبعة ملايين طن. وفى السحور يتناولون أيضا الأرز الذى يماثل رغيف الخبز لدينا، فاندونيسيا من أكبر الدول أيضا فى إنتاج الأرز على مستوى العالم.

وتنقل القنوات التليفزيونية صلاة المغرب وكذلك الفجر، حيث تستمتع خلالها بالإنصات لأصوات الأندونيسيين يتلون القرآن بأصوات مقلدة لكبار مشايخ مصر أمثال الشيخ محمد رفعت، الشيخ الطبلاوي، الشيخ الحصري.

الاعتكاف ظاهرة منتشرة في أندونيسيا من قبل الشباب المثقف، وكذلك الاحتفال بنزول القرآن خلال شهر رمضان حيث يقام احتفال مهيب يحرص رئيس الجمهورية على إحيائه مع مسئولي الدولة، وبرلمانها، ووزرائها، وأعضاء السلك الدبلوماسي، خاصة وأن أندونيسيا بها أكبر تمثيل دبلوماسي إسلامي.

من الملاحظ أثناء التجول بالأماكن العامه الأندونيسية، أن تسمع أشهر موسيقانا المصرية مركب عليها أغانٍ باللغة الأندونيسية، وبالاستفسار عن هذه الظاهرة -التي تسعدني بلا شك كمصرية أعتز بموسيقانا- أجد ردهم بأنهم لم يجدوا أجمل من الموسيقى المصرية ليقوموا بتركيب أغانيهم الدينية عليها وهي الأغاني الدينية في مدح الرسول بلغتهم الأندونيسية.

ومن مظاهر الاحتفال تعظيما لهذا الشهر المبارك، تمنح الحكومة الأندونيسية الطلاب إجازة في الأسبوع الأول من رمضان ليعتادوا على الصوم، كما ونشهد ظاهرة أخرى في الأسبوع الأخير من شهر رمضان حيث نشهد منظرًا مهيبًا في الشوارع -خاصة العاصمة جاكارتا- وهو ما يطلقون عليه Open House أو ” موديك” باللغه الاندونيسيه، حيث تمنح الدولة الأسبوع الأخير من رمضان إجازه لعودة من يرغب من العاصمة إلى بلدته الأصلية للاحتفال مع أهله وذويه بالأيام القليلة المتبقية من رمضان وبقدوم عيد الفطر المبارك ، فنشاهد وسائل النقل العام تقوم بنقل ما بين 5 إلى 6 مليون نسمة من العاصمة جاكارتا إلى قراهم احتفالا بقدوم العيد.

زر الذهاب إلى الأعلى