أدبي

حية

وقت النشر : 2022/04/28 01:54:18 AM

حية

بقلم: نشوة أحمد علي 

حَيَّة

يومٌ عاصفٌ جديد، يا ترى، إلى أين سترسلني الرياح؟ سأتشبث بهذا الغطاء جيدا ريثما تهدأ، ثم أنطلق مختبئة في أي شق، بجوار أقرب جدار.

أيتها البلهاء، لا داعي لتحريكه الآن، إلى اين أنتِ ذاهبة؟ سأتمسك به جيدا، حتى إذا ما وضعتِه، سأقوم بلدغك فورا؛ عقابا لكِ على رعونتك.

أطفأت الأنوار وصفعت الباب وراءها، لن أرحمها، وهل يمثل الباب فارقا مع زاحف رفيع مثلي؟ لكن هذا النوع من الأرضيات لا يناسب أرجلي الدقيقة، الضعيفة، أشعر وكأنني عاجزة، كأن أحدهم قيد حركتي، لا بد من المثابرة من أجل الخروج من هنا سالمة، آمنة، قبل أن تلمحني عين فتصيبني نتيجة ذعرها برمية تؤذيني أو بضربة تقتلني، ويا لسعادتي لو أنني قبل فراري لدغت تلك الحمقاء التي حبستني هنا! لا أدري لِمَ تهمُّ جميعهن بجمع الثياب من فوق الحبال إذا ما أوشكت العاصفة أو أتت نذر المطر؟ كلهن حمقاوات كتلك المرأة، فلطالما راح الكثير من إخوتي وأبناء عمومتي ضحايا لما يطلقون عليه ” لَمّ الغسيل” فغالبا ما نلوذ بتلك الأقمشة؛ نتخفَّى أو نتخذها خطوة للنزول أو وسيلة للصعود.

ها قد خرجت من تلك الغرفة، عليَّ ملاصقة الجدار حتى لا تلمحني؛ تلك التي تقبض على شيء ما بيدها متحدثة، يا لها من ثرثارة! هلا سكتِّ قليلا يا امرأة؟! ألم يشكُ حلقها ولسانها من كثرة استخدامهما، أحمدُ الله الذي شق لساني فمنعني من تقليدها، أمر مزعج جدا أن تملك لسانا لا يسكن أبدا.

هذا هو باب الخروج، لا يفصلني عنه إلا مسافة قطعي للردهة، لكنني لن أفعلها حتى تبرح مكانها، فهي إن نظرت تحتها ستراني، مضطرة إلى المكوث كما أنا ملتصقة بهذا الجدار حتى يقضي الله أمرا.

هناك صوت يرد عليها، لكنني لا أرى صاحبه؛ نعم، نعم، إنه يخرج من الجهاز الذي تمسكه بيدها:
– نعم، لقد طلَّقتُها بالفعل، لكنه ليس بالانتقام الكافي، لستُ راضيا؛ ما زالت تستحق المزيد من العقاب.

= معك حق، أخبرني المحامي بأنها لن تتمكن من الإقامة في شقتك بعد أن حكم القاضي بطردك أنت شخصيا منها لأنك لا تلتزم بدفع الإيجار حسب العقد الملفَّق الذي كتبته مع والدنا منذ شهور، وقد نجح اتفاقكما في خسارتها لمحل سكنها.

– تلك الشقة هي نصيبي من التركة على كل حال، لكنها مجرد إجراءات حتى ننفضَّ من هذه الأزمة.
= ولا أعتقد أن تنال إلا مبلغا زهيدا جدا على سبيل النفقة بعدما شهد إخوتك وأبناء عمومتك بأن راتبك لا يكفي حاجاتك.

ارتفع صوتها بضحكة، وهي تردف:
– لكن لا تنسَ هديتي الثمينة التي وعدتني بها نتيجة مساعداتي لك، وتفكيري الدؤوب معك في كيفية تجريدها من جميع حقوقها، حتى يطمئن قلبك ويهدأ بالك.

= لن تكفِّي عن طمعك أبدا، لكنني على كل حال لن أنسى، كلها بضعة آلاف من الريالات، يعوضها راتب أسبوع.
– أخبرني يا أخي العزيز، متى كانت آخر مرة حادثت مطلَّقتُك أبناءها؟
= لا، ما عدت أسمح بهذا التسيُّب، لم تسمع صوتهم منذ عام وأكثر، ولن تراهم ما دمتُ حيا.

أخفت ابتسامة شامتة، وهي تتصنع الرقة قائلة له:
– إنها أمٌّ، لِمَ كل هذه القسوة؟ كن عطوفا كعهدنا بك، واجعلهم يحادثونها ولو لدقائق…
وقبل أن ينطق، أكملت:
– ولو كل بضعة أشهر، حتى لا يلومك أولادك يوما ما على قطيعة رحمهم..

يا إلهي! لقد ذكرتني تلك اللئيمة بأبنائي، عليَّ التضحية من أجل العودة إليهم، كما أنني اختنقت من هذين المخلوقين، ولولا أنني أرى هيئة تلك السيدة البشرية، ما حسبتُها إنسانا، هل خُلِق بعضهم بدون قلب؟

سأسرع بالفرار، وقد أقلعتُ عن عزمي على لدغها؛ أخشى على نفسي من سُمِّيتها التي ربما تنتقل إليّ فتنزع من قلبي الرحمة، فلستُ أدري الآن؛ أي منا هو الأفعى؟!

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى