مقالات متنوعة

الطلاق الصامت.. حياة بلا حياة

وقت النشر : 2022/07/11 02:24:06 AM

الطلاق الصامت.. حياة بلا حياة

كتب: إيمان عرابي

ارتفعت نسبة الطلاق في مصر في الآونة الأخيرة بدرجة كبيرة حيث تحدث كل دقيقتين حالة طلاق، ومعظم حالات الطلاق تكون خلال السنة الأولى من الزواج بين الأعمار التي تقل عن 35 عامًا؛ أي بين الشباب لأسباب كثيرة منها عدم التكافؤ بين الطرفين، عدم تحمل المسئولية من أحدهما، عدم الثبات الإنفعالي عند كثير من شباب هذه الأيام.

لكن هناك نوع آخر من الطلاق يحدث داخل البيوت لا يمكن إحصاؤه لأنه غير مُعلَن ولا يعرف عنه أحد سوى الزوجين هذا النوع من الطلاق يسمي الطلاق الصامت.

ماهو الطلاق الصامت ؟
هو حالة جديدة على مجتمعنا حيث لا يكون هناك طلاق معلن رسميًا بل ما زال عقد الزواج مستمرًا ولكن دون حياة زوجية، فتغيب المودة والرحمة التي ذكرها المولي عز وجل في كتابه الكريم في سورة الروم حيث قال تعالى: “وَمِن آيَاتِه أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسكُم أزواجًا لِتَسكنوا إلَيها وجَعَلَ بَينْكُم مَوَدَّةً ورحمَةً إنَّ في ذلكَ لَ آياتٍ لقومٍ يَتَفكَرون”
كثيرٌ جدًا من البيوت يوجد بها هذا النوع من الطلاق، زوجان يتواجدان تحت سقف واحد غابت بينهما المودة والرحمة والحب وسُبل الحوار، يعيشان للمحافظة علي صورتهما أمام المجتمع الخارجي، فأمام الناس يعيشان حياة مزيفة ويمثلان أنهما زوجان سعيدان وعند الرجوع للبيت يخلع كل منهما قناع التمثيل ويعودا لحالتهما الأولي حياة بلا روح ولا نقاش ولا حميمية، وممكن أن يكون كل منهما ينام في غرفة منفصلة تملأ رأسه وقلبه مشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر أحيانًا تصل للكُره، وكل هذا للحفاظ على كيان مزيف أمام الناس لعدة أسباب منها:

– خوف الزوجة من لقب مطلقة في مجتمع تفكيره سلبي تجاه المطلقات.

– ظنًا منهما أنهما يفعلان ذلك من أجل الأبناء، ولا يدريان أنهما بهذا يوقعان أكبر ضرر علي أبنائهما بهذه الحياة الزائفة الخالية من كل مظاهر الحب.

– هذا النوع من الطلاق له علامات خاصة تظهر في حياة الزوجين ومنها:
– لايوجد حوار، حالة من الصمت الدائم ليس من المهم من الذي وصل لها في البداية وأدى ذلك بالتبعية لوصول الطرف الثاني لها.

– يفقد كل منهما الشغف بالآخر بكل شيئ ظاهريًا ومعنويًا وجسديًا فتضعف وتقل علاقتهما الحميمية التي تقوي أواصر المحبة والمودة بين أي زوجين.

– لا توجد في قاموس حياتهما أي كلمة حب أو شكر أو عرفان، وتتبدل كل مشاعر المودة إلى جفاء، وعندما ينعدم الحب تتلاشى معه مشاعر الغيرة وتنعدم الرغبة في التواجد مع بعضهما، وقد يصل الأمر إلى الخيانة الزوجية في بعض الحالات التي قد تكون ضعيفة الإيمان.

وحتي تصل الحياة بين أي زوجين إلى مرحلة الطلاق الصامت هناك أكيد أسباب، ما هي؟

– انعدام الحوار بين الزوجين منذ بداية الزواج لخوف أحد الطرفين خاصةً الزوجة من الحوار الذي قد يؤدي إلى مشكلة أو الصمت من طرف الزوج فلا يتحدث عن أحواله وعمله.

وممكن صمت الزوجة لأن الزوج دائمًا ما يُسَفِّه أراءها فينعدم بهذا الحوار ويتم تأجيل حلول المشاكل فتتراكم وتزيد الفجوة بينهما.

– غياب الكلمة الطيبة وعدم بوح أحد الطرفين بالمشاعر التي يحتاجها الطرف الآخر فتتسع الهوة بينهما، ويؤدي هذا للبرود العاطفي والجنسي حتي تصبح العلاقة بينهما أداء واجب ليس إلا حتى تنعدم نهائيًا مع الوقت ويزداد النفور بينهما..

– الاختلاف بين الشخصيتين منذ البداية سواء اختلاف ثقافي أو اجتماعي أو في الاهتمامات والطموحات والتفكير، ومع الوقت تتسع المسافة ويزيد بعدهم وتنافرهم.

– ضغوط الحياة المادية وعدم تفهم أحد الطرفين لما يعانيه الآخر فلا الزوجة تُقَدِّر سعي الزوج وكفاحه لتوفير حياة مناسبة للأسرة، ولا الزوج يشعر بمعاناة وتعب الزوجة في تربية الأبناء والأعباء المنزلية وما هو على عاتقها من مسؤليات أخري إلى جانب عملها إذا كانت إمرأة عاملة، ومن هنا يغيب الحوار ويعم الصمت حياتهما.

الدخول في مرحلة الطلاق الصامت التي يظن الزوجان أنهما يلجآن لها للحفاظ على الأبناء لا يدريان أنهما بهذا يوقعان أكبر الضرر على أبنائهما بهذه النوعية من الحياة، فالطلاق الصامت يؤدي إلى كثير من السلبيات والأضرار على حياة الأبناء مثل:

– تبلد مشاعر الأبناء لوجودهم في جو أسري لا يوجد به تفاهم أو حب.

– ممكن أن يكره الأبناء والديهم، وقد تصل للهروب من المنزل والإهمال في التعليم، وأحيانًا بعض الأمراض النفسية واضطرابات الشخصية التي قد تصل بهم الي الضياع.

– يكره الأبناء الزواج وعند مرحلة النضج يفرون من الارتباط لخوفهم من حياة مماثلة لما عاشوا فيه.

– غياب القدوة والمثل الأعلى يجعل الأبناء يبحثون عنها في البيئة المحيطة وهذا يعرضهم لخطورة الإختيار الخاطئ.

بعد كل ما تم عرضه عن الطلاق الصامت وخطورته على الأسرة والأبناء والمجتمع، نصل إلى أهم جزء في موضوعنا وهو كيف نتجنب الوقوع في هذا النوع من الحياة، وكيفية التغلب على الطلاق الصامت:

– التوافق والتكافؤ في اختيار شريك الحياة، فيجب أن يكون هناك تناسب في كل شيء منذ البداية ثقافيًا، اجتماعيًا، في الأفكار والطموحات، ولا نترك أي احتمالات للزمن، فالزمن لا يغير شيء.

– التعود على الحوار والصراحة في حل أمور الأسرة، وعدم تركها حتى لا تتفاقم المشاكل، ومحاولة تعلم كلٌ من الطرفين طرق إجادة الحوار حتى لا يصل الموضوع إلى نقاش حاد ثم خناق، أيضًا يجب ألا يكون هناك أسرار بين الطرفين فالمصارحة أفضل طريق لاستمرار الحوار بين الطرفين.

– أن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته تجاع الطرف الآخر، حيث أن الزواج شركة يعرف كل شريك فيها اختصاصاته.

– أن يبوح كل منهما بمشاعره ولا مانع من تبادل الكلمات الرقيقة والمشاعر الطيبة من آن لآخر لشحن مَركَبَة الحياة بينهما وبعض، التجديد في المشاعر والشكل ونمط الحياة يساعد على الخروج من الملل وكسر الروتين الذي يمران به.

– يجب ألا يستعين الزوجان بأطراف خارجية للتدخل في حياتهما أو حل مشاكلهما حفاظًا على الخصوصية وحتى لا تتسع دائرة المشاكل.

– لو أدرك كل فرد منهما ما هي عيوبه وصارح بها نفسه وارتضى بعيوب الطرف الآخر وشعر بالإمتنان لمميزات الطرف الآخر ستسير الحياة أفضل وهذا يعني أنه لابد من وجود المرونة والصبر من جهة كل طرف على الطرف الآخر.

– كسر الروتين والملل والتجديد في أسلوب حياتهما وعلاقة كل منهما بالآخر، سواء في الحوار أو أسلوب الحياة أو حتى في العلاقة الحميمية بينهما مما يساعد على توطيد أواصر الحب بين الزوجين.

– في حالة الوصول إلى حائط سد وعدم التوصل إلى أي حلول أو تفاهم باتباع أي مما سبق يمكنهما اللجوء إلى استشاري علاقات زوجية، وإن استحالت الحياة بينهما الطلاق المبكر هو القرار الصائب عند فشل كل الحلول بدلاً من الاستمرار في حياة مزيفة تؤثر بالسلب على كل فرد من أفراد العائلة يومًا بعد يوم.

أخيرًا يجب أن يعلم جميع الأطراف خاصة الأبناء في سن النضج والارتباط أن البيت ليس جدران وغرف لا حياة فيها ولا روح،
الزواج جسد وروح يتحدان حتى يمتلئ البيت حياة سعيدة تستمر وتقف ضد أي صعاب فينتج زواج ناجح يستمر طول العمر.

زر الذهاب إلى الأعلى