أخبار مصرأدبي

رمزٌ للشجرة وليست شجرة

وقت النشر : 2022/07/16 12:42:14 AM

رمزٌ للشجرة وليست شجرة

بقلم: أحمد فتحي الصرفندي

في إحدى الصباحات الجميلة المفعمة بالأمل، الممزوجة برائحة الياسمين، وزقزقة العصافير، ووجه أمي الباسم،
خرجت إلى الحديقة التي تسكنني من قبل أن أسكنها، التي زرع حبها فيّ بدون إذنٍ مني، أما حبي لها لم يكن من أجلها بل من أجل من كان فيها؟

كان كل شيء هناك يوحي بالحيوية والنشاط، ويدفع في النفس الحب والتفاؤل والطمأنينة، كل شيءٍ في هذه الحديقة يحدثني كعادتي إن سلمت نفسي وتركت لمخيلتي العنان، فلا أدري أين أنا أو أين سينتهي بي المطاف، كنت مسالمًا جدًا مع كل شيء هناك، لم أقس يومًا على أحدٍ، وفي خلال الجولة كالمعتاد تحدثت مع بعض الأشجار التي اعتادت على سماع أتراحي وأفراحي، ضحكاتي ودمعاتي، والتي كنت أخط على سيقانها بعض كلماتي، ولكني في هذا اليوم تجاهلت شجرةً كنت يومًا آتيها وأشكو عندها حالي وأفضفض ما بداخلي، وأخرج من عندها كأني جلست في أحضان أمي وانزاح ما ألمّ بي،
وللأسف هذه الشجرة التي تركتها اليوم هي التي من أجلها أحببت الحديقة، مشيت متجاهلًا رفيقتي وكأني لم أرها، فإذا بها تنادي عليّ بصوتٍ يكسوه الألم ويعلوه الندم ويحيط به الخيبة وعلامات السقم:
_ أهانت عليك كل هذه العشرة؟ هل نسيت كم مرة ضحكنا سويًا؟ كم مرة بكينا معًا؟ وكم مرة هطلت علينا الأمطار وضممتك تحت أغصاني؟ وكم وكم…؟

_ والله لم أنكر شيئًا، ولم يهن عندي يومًا، ولكنها الأقدار، نعم.. أحبك وأنت على هذا الحال، أحبك وأنت خضراء مثمرة، أحبك وأنت صفراء ذابلة، أحبك على كل حال وفي أي زمان وفي أي مكان، أعلم أنني اعتدت على أن آتيك كل يوم لأستند عليك، ولأحدثك بهمومي وأحزاني، أعلم أنني متعلق بك ومتجذرٌ بك كارتباطك بالأرض يا شجرتي، ربما تتساءلين لمَ لا تأخذني عندك فتريحني وتريح نفسك من التفكير بي كل مساء حتى يأتي الصباح فتأتيني، لمَ لا أكون عندك صباحَ مساء؟

_ لا تخبرني بأنني شجرة إن تركت تربتها ذبلت، أنا شجرة في أبيات شعرك وفي أحداث روايتك، أنا رمزٌ للشجرة ولست شجرة، أنا أريدك وأنت تريدني، مزق كل الأبيات، واحرق كل الروايات، ودعك من الخرافات وخذني إليك، لا تتركني أنافح الرياح وأعيش بين الغابات، من الآن فصاعدًا لن أرضى لنفسي أن أكون شجرةً إلا إذا غُرسَت في صحراء قلبك وسُقيت بماء حبك، إن اتفقت معك في شيءٍ مما قلتِ فهو أن قلبي صحراء، فعلًا قلبي دونك صحراءٌ قاحلة، ووجودك فيها كبئر يمد تلك الصحراء ليحيا فيها من بقي على قيد الحياة، لكني أخاف أن أكون كمن رعى وردةً ومن فرط حبه لها قطفها مظنةً منه أن سيحفظها عنده بعيدًا عمن سواه،
فذبلت وذهب عبق رائحتها وانتهت حكايتها وانتهى هو معها، وكذلك أنا.. لذلك أقول لعل في الترك خيرٌ لي ولك،
ولعل الله يحدث لنا بعد ذلك أمرا
فعليك السلام يا منبع الأمن والسلام

أحمد أبو مالك.

زر الذهاب إلى الأعلى