أدبي

أنت ظالم

وقت النشر : 2022/08/08 08:55:26 PM

أنت ظالم

بقلم شيرين شيحة

كلنا يرى هذه الحياة مجرد ثنائيات لا يمكن أن تجتمع في شيء واحد، أو في شخص واحد في آن واحد؛

الليل والنهار، الخير والشر، الظلام والنور.

كذلك الصفات كالطيب والخبيث، الخيّر والشرير، الظالم والمظلوم.

على أن الواقع غير ذلك، وما نرى أنه الحقيقة لن يعدو أن يكون جزءًا منها أو مجرد وجه من وجوهها،

فلا توجد حقيقة مطلقة في الكون إلا حقيقة وجود خالق لهذا الكون؛ يدبره بحكمة بالغة ويديره عن علمٍ مُعجز.

فالليل والنهار يجتمعان في ذات الكرة الأرضية في آن واحد في ذات الوقت عندما يكون نصفها نهار والآخر ليل، وكذلك الخير والشر، والخبث والطيبة قد يجتمعان في نفس الشخص على حسب نظرة الآخرين له ومواقفهم منه أو موقفه منهم، ولكلٍ وجهة نظره، ولكلٍ وجهةٌ هو موليها في التقدير والحكم على الآخرين.

سأعطيك مثالًا على إمكانية وجود الأضداد في نفس الشيء في نفس الوقت:

نحن ننظر إلى الحيوانات آكلة اللحوم نظرة خوف ونطلق عليها صفات (المتوحشة، الضارية، المفترسة،…إلخ)

فما رأيك عزيزي القارئ أنك أنت أيضًا متوحش ومفترس؟

نعم، أنت كذلك من وجهة نظر مخلوقات أخرى تأكلها بل وتذبحها لتأكلها مع سبق الإصرار والترصد والطبخ والشوربة والتحمير والبهارات.

أنت قاتل وظالم من وجهة نظر الحشرات والفيروسات التي تقتلها كل يوم بل وتبتكر المبيدات والأمصال للقضاء عليها.

أنت ترى أنك مظلوم إذا اعتدت عليك وهي ترى أنك ظالم إذا اعتديت عليها وعلى حقها في الحياة.

الإيثار الزائد عن الحد يظهرك بمظهر المظلوم أمام الآخرين على حين أنك في الحقيقة ظالم لنفسك.

الأنانية الزائدة هي انتصار للنفس وظلم للآخرين

وهكذا تدور الأشياء.

حتى في الحب هناك دائمًا من يتوجهون إلينا بمشاعرهم التي لا نستطيع أن نتجاوب معها لأن قلوبنا في اتجاه آخر، ونحن بالتأكيد في نظر هؤلاء ظالمون رافضون لمشاعرهم النبيلة.

فهل نحن مدينون بالاعتذار لتلك القلوب التي اختارتنا ولم نبادلها نفس المشاعر؟

أو لتلك التي جرحناها -بدون قصد- لمجرد أننا ندافع عن حقوقنا في الحب والحياة!

أم أنها الأقدار هي المدينة لنا جميعًا بتقديم التفسير لما لم نفهم حكمته فلم نستطع عليه صبرا!

لذلك أقول يا أعزائي:

كلنا ظالم ومظلوم في نفس الوقت من وجهة ما بدرجة ما ولحكمة يدور في فلكها الكون كله، حكمة في المنع وحكمة في العطاء..حكمة في القدر وحكمة في القضاء،

لأن واضعها الحكيم الخبير.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى