أدبي

يومٌ مَهيب

مرارة الفقد

وقت النشر : 2022/10/24 11:52:10 PM

يومٌ مَهيب

بقلم: سناء الشرقاوي

جلست ليلى على كرسيها الهزاز في شرفتها التي كانت على مقربة من البحر تترقب ما يدور هناك. عيناها معلقة على السماء تارة، وعلى البحر تارة أخرى. سمعت امرأة تصرخ: أين الولد؟ ليخبروها أنه مفقود في ظلمات البحر. اغرورقت عيناها بالدموع، وظلت تتابع عن كثب، وراحت تتذكر هذا اليوم المهيب الذي فقدت فيه أخاها.

تشير الساعة إلى السادسة صباحًا بتوقيت القاهرة في إحدى محافظات الدلتا. يستيقظ أحمد مبكرًا وهو سعيد ومتحمس؛ فاليوم هو اليوم الموعود بالنسبه له اليوم يوم الرحلة المدرسية التي انتظرها ليسعد مع أصدقائه، ويتمتع بالأجواء الحميمية، والمياه الباردة في هذا الصيف الحار.
تستعد الأم لتحضير الحقيبة الملأى بما لذ وطاب، وتستودعه الله، وتتمنى له السلامة.
يذهب أحمد مسرعًا وعلى محياه ابتسامة، يلوِّح لأمه مودعًا إياها على أمل بالعودة قريبًا في نهاية اليوم.
مر اليوم، وأشارت الساعة إلى السابعة مساءً. الأم تحدث ابنتها فتقول: وكأنني أشعر أن أحمد تأخر عن موعده. ولكن الأخت لم تكترث، وأجابت بإيماءة قائلة: لا يا أمي، فهم صبية كُثر، وسيطلبون من مشرفيهم أن يتركوهم فترة أطول. ولكن شيئًا ما غير مفهوم كانت تشعر به الأم.

فجأة، دق جرس البيت. سمعت الأم أصوات هرج ومرج، وإذ بأحدهم يبكي ويصرخ بأعلى صوت، لقد انقلبت حافلة الرحلة التي كانت تقل التلاميذ.
يا للهول! صرخت الأم: ماذا تقول، أين ولدي؟.
وبدأت تهرول وتصرخ في كل مكان. ماذا حدث، وأين الحافلة؟ كل هذه كانت مؤشرات تنبئ بكارثة كبرى تنتظرها عشرات الأسر.
وقفت الأخت تبكي وتسأل: أين أخي، وماذا حدث؟. ولا جواب لأسئلتها سوى التربيت على كتفها، وسماع أدعية من حولها بأن يسلم الله أحمد ومن معه، أو يرحمهم برحمته الواسعة.

مرارة الفقد

حضر الجد والعمات ليتواصلو مع الأجهزة الأمنية لمعرفة ماذا حدث؛ ولأن الأب مسافر ولا يعلم شيئًا عن الحادث تعمدوا عدم إخباره لحين التأكد من الأمر.
مر اليوم الأول ولم تعلم عنه شيئًا، أما زال حيًّا أم توفاه الله؟!.
جاء زوج العمة، فهو ضابط فى الجيش وله معارف، استطاع من خلالهم أن يصل إلى مكان الحادث وعلم أن هناك سبعة عشر تلميذًا توفاهم الله في البحر غرقًا، ومنهم أحمد، فهو من المفقودين. انتظر حتى أتى الليل ليرى عربات الإسعاف تهرع إلى مكان الشاطئ وتحمل الجثث التي تخرج، ولكن عندما ذهب ليتفحص وجوههم لم يجد أحمد بينهم.

وجاء اليوم الثاني، وتكرر نفس المشهد. هرع إلى عربة الإسعاف الموجودة، ليجد جثتين تمت تغطيتهما، كشف عن إحداهما، فإذا به يشعر بالصدمة من هول ما رأى..إنه أحمد.

عاد زوج العمة بأحمد في سيارته وهو يبكي بعدما تم غسله وتكفينه. لم ينس ابتسامته التي لم تفارق هذا الجسد الخالي من الحياة. حتى الرجل الذي قام بالغسل كان يقول له: حافظ على أحمد، رغم أنه ميت.
علمت الأم بالخبر، فأخذت تجري إلى مكان المقابر حيث النظرة الأخيرة، والوداع الطويل، والأخت تمشي بجانبها لا تفهم ما يحدث، ولا ما هذا الصراخ والنحيب، أحقًا مات أخي؟!

تتذكر ليلى آخر عهدها به عندما صعد ليضعوه في نعشه، فإذا بجثمانه يصطدم بها وكأنه يلقي عليها التحية ويقول لها: وداعًا أختي.
أفاقت ليلى من ذكرياتها الأليمة دامعة العينين، لتتنبه أن اليوم هو ذكرى ميلاد أخيها الذي يصغرها بعام واحد، داعية الله أن يتغمده برحمته، وأن يجعل وفاته في ميزان حسنات والديها اللذَيْن صبرا، واحتسبا، ولم يعترضا على قضاء الله.
اليوم حقًا هو ذكرى ميلاد أخي الأصغر – رحمة الله عليه، وهذا ما عانيته أنا حقًا في يوم من الأيام، وأدعو الله ألا يكتبها لأحد؛ فمرارة الفقد موجعة.

يومٌ مَهيب بقلم: سناء الشرقاوي
يومٌ مَهيب
بقلم: سناء الشرقاوي

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى