مقالات متنوعة

اللي جالك بالغصب خده بالرضى

وقت النشر : 2022/10/31 02:42:10 PM

اللي جالك بالغصب خده بالرضى

بقلم: د/ عبير منصور

أستاذ الاقتصاد

جامعة جنوب الوادي

هل البنك المركزي المصري كان مجبرًا أم مخيرًا في رفع سعر الفائدة وتحرير سعر الصرف الجديدين؟

تتطلب الإجابة على هذا السؤال إلقاء نظرة على الاقتصاد العالمى حيث لا تعتبر مصر فى منآة عن هذا الاقتصاد، بل هى منقادة رغمًا عنها. فالتحديات التى يواجهها العالم في الوقت الحالي تفرض تحديات على مصر لا مفر منها. وعدم الاستقرار المالي والاقتصادي في الدول المتقدمة ومجموعة السبع وتفاقم هشاشة الاقتصاد العالمي هو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للدول النامية والناشئة اقتصاديًا.

تعرض الاقتصاد العالمي خلال السبع أسابيع السابقة إلى انهيار قيمة العملة. وزيادات ضعيفة ومضطربة في عائدات تلك الاقتصاديات. وهو ما جعل صندوق النقد الدولي يوجه انتقادات شديدة لتلك الدول، وكان ذلك مصحوبًا بتحذيرات وكالات التصنيف. وهو ما دفع البنوك المركزية العالمية للتدخل الطارئ لإصلاح الوضع الاقتصادي، وتطبيق سياسات حكومية متعددة معاكسة انتهت باستقالة بعض وزارات تلك الدول.

كل ما سبق يعكس رؤية غير واضحة للأوضاع الاقتصادية واتباع سياسات مالية خاطئة مثل خفض الضرائب دون وجود بدائل تعويضية للإيرادات. ولقد حاولت تلك الدول كبح جماح التضخم ولكنها وقعت في خطأ تصنيف التضخم فوصفته بالتضخم المؤقت. وبالتالي حدث اتباع مجموعة فاشلة من التدابير اللازمة للحد من التضخم.  مما دفعهم لرفع سعر الفائدة بمعدلات تعد الأسرع في تاريخ تلك الاقتصاديات – كانت صفر % في الولايات المتحدة الأمريكية ومعدلات سالبة فى بريطانيا – وهو ما يخلق توقعات كبيرة حول حدوث كساد كبير في الاقتصاد العالمي.

خلاصة ما سبق أن العالم يواجه حالة من عدم اليقين غير المعتاد، والسؤال هنا ما هو السبب الرئيسي في حدوث ذلك؟ ولماذا تفاقم عدم الاستقرار المالي والاقتصادي؟.

تتضمن الإجابة على هذا السؤال ثلاثة أسباب رئيسية تتمثل في:

السبب الأول:

_ القدرة على النمو:

فقدت العديد من الدول قدرتها على النمو بسبب الخصائص المتغيرة للاقتصاد العالمي؛ فنجد أن كان الاقتصاد العالمي يفتقر إلى معدلات كافية للطلب أصبح أيضًا يفتقر إلى وجود معدلات كافية للعرض حيث يشهد العالم اضطرابات في معدلات العرض. لذا يواجه النمو الاقتصادي تأثيرات معاكسة جديدة ويرجع السبب الرئيسي لذلك هو عدم قدرة الاقتصاد الصيني للتعافي بالشكل الكافي جراء أزمة “كوفيد -19″. تلك الأوضاع جعلت صندوق النقد الدولي يشير إلى أن ” الأسوأ لم يأتِ بعد”.

السبب الثاني:

_التضخم:

اتصف التضخم الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي بأنه المرتفع والمستمر. وتحول ذلك التضخم من كونه نتيجة لصدمة الطاقة الناتجة عن الأزمة “الروسية – الأوكرانية”. وأزمة الغذاء الناتجة أيضاً عن تلك الأزمة إلى شيء أوسع نطاقًا. ولقد أجبرت معدلات التضخم المرتفعة البنوك المركزية على خيارات صعبة للغاية. فهل تواجه التضخم بصرامة وشدة وتخاطر بالقضاء على الاقتصاد وعدم الاستقرار المالي؟. أم تتخذ إجراءات ناعمة لمواجهة هذا التضخم وتخاطر بإمكانية حدوث ركود تضخمي؟. كلا الخيارين صعب. إما معدلات النمو المنخفضة أو التضخم المرتفع.

ولقد اختارت البنوك المركزية والإحتياطي الفيدرالي بالأخص اتخاذ موقف صارم ضد التضخم مما أسفر عن ارتفاع حاد في قيمة الدولار بنسبة تزيد عن 20% مقابل العملات العالمية الأخرى هذا العام. وهذا يعني بكل تأكيد المزيد من حدة التضخم المستورد للبلدان الأخرى والمزيد من الضغط على عملاتها واحتياطاتها.

السبب الثالث:

_ أداء الأسواق المالية:

اتصفت اقتصاديات الدول المتقدمة في السنوات السابقة بانخفاض معدلات الفائدة والتي وصلت إلى صفر % في الولايات المتحدة الأمريكية وسلبية في أوروبا. وضخ هائل للسيولة من قبل البنوك المركزية لتلك الدول. وهو ما حمل النظام المالي الكثير من الديون وظنوا أن هذا الوضع سيستمر. لكن جاء التضخم ليغير وجهة النظر تلك. وكان لزامًا على القطاع المالى التكيف مع هذا الواقع المتغير وتزامن ذلك مع ضغوط سيولة في كبرى الأسواق المالية العالمية. وهو ما يشير إلى مخاطر وقوع أزمة مالية.

يشير كل ما سبق إلى بيئة اقتصادية صعبة للغالبية العظمى من دول العالم. وتحديات كبيرة تفرض عليها وهو ما يتطلب استجابة سريعة ومرنة في التعامل مع تلك الأمور التي لا يمكن تصورها.

والآن، ما هو وضع الاقتصاد المصري بعد رفع سعر الفائدة وتحرير سعر الصرف “تعويم الجنيه”؟.

التعويم في معناه البسيط أن البنك المركزى المصري لن يقوم بتحديد سعر العملة الأمريكية في مقابل الجنيه المصري. وستترك العرض والطلب على الدولار بسوق العملات الأجنبية ليحدد سعر الدولار فيما يعرف بوضع التوازن. ويساعد التعويم على القضاء على فرق السعر الكبير بين سعر الدولار في البنوك الرسمية وسعره في السوق السوداء. فقد كان الفرق بين السوقين حوالي 40% مع استمرار تزايد السعر يومياً. وكان يلجأ رجال الأعمال والمستثمرين للسوق السوداء للحصول على الدولار لعدم توفره في السوق الرسمية وصعوبة الحصول عليه. وهو ما يعكس تعاملهم بهذا السعر عند تسعير منتجاتهم المطروحة في السوق. وبذلك نستطيع القول أن الاقتصاد المصرى تلقى الصدمة منذ بضعة أشهر والزيادات في الأسعار قد حدثت بالفعل. لذلك اعتبر رجال الاقتصاد والسياسة في مصر أن مثل هذه القرارات هي قرارات كاشفة لحقيقة سعر الدولار المتعامل به حقيقة.

من جانب آخر، يمكن القول أن تعويم الجنيه يعني انخفاض قيمة الجنية المصري وهي إحدى السياسات المتبعة عمداً من قبل اقتصاديات الدول المتقدمة لاكتساب قدرة تنافسية مقابل الدول المنافسة لها في الأسواق العالمية. ويؤدي ذلك بالطبيعة إلى جذب الإستثمار الأجنبي والمحلي. ومن ثم الحصول على مكاسب الاستثمار والمتمثلة في زيادة الانتاج وخفض معدلات البطالة وانخفاض المستوى العام للأسعار. كما يؤدي تعويم الجنيه إلى زيادة تحويلات المصريين بالخارج. وبديهياً سيساعد على خفض السلع المستوردة من الخارج وسيقتصر الاستيراد على استيراد السلع الضرورية بل الضرورية جداً مثل الخارج وسيقتصر الاستيراد على استيراد السلع الضرورية بل الضرورية جداً مثل القمح.

ومن الضروري الإشارة إلى ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية على الرغم من ارتفاع سعر الفائدة. و ذلك لأن أثر قرار التعويم للجنيه كان أقوى من قرار ارتفاع سعر الفائدة. ويرجع السبب في ذلك أيضاً إلى أن تطبيق تعويم الجنيه تزامن مع برنامج إصلاح اقتصادي مدعوم بغطاء إنتاجي وصناعي للدولة ببساطة أن يكون الهيكل الإنتاجي للاقتصاد المصري أكثر مرونة ليستطيع الاستجابة لتلك التغيرات والسياسات والإجراءات المتبعة للخروج من الأزمة الراهنة.

وقد يشير البعض إلى أن حزمة القرارات التي اتخذها البنك المركزي المصري جاءت استجابة لمتطلبات بعثة صندوق النقد الدولي التي طالبت بضرورة تعويم الجنيه حتى يتم الموافقة على القرض المقدم عليه من قبل الحكومة المصرية والتي تبلغ قيمته 12 مليار دولار. وإن كان ذلك حقيقة بالفعل فيعني حصول مصر على شهادة ضمان تمنح من صندوق النقد الدولي لمصر تعتبر مؤشر لجذب الاستثمار الأجنبي لمصر.

من خلال العرض السابق عرضت على حضراتكم الوضع الاقتصادي على المستوي العالمي وعلى مستوى الاقتصاد المصري، لكن كيف يمكن التغلب على هذا الوضع السيء سيكون في مقال آخر…

زر الذهاب إلى الأعلى