مقالات متنوعة

يوتوبيا عمر بن عبد العزيز

الخير والبركة

وقت النشر : 2022/10/31 03:28:42 PM

يوتوبيا عمر بن عبد العزيز

بقلم: مصطفى نصر

كانت بلاده التي يحكمها هي المدينة الفاضلة. ويوتوبيا الأرض التي طالما تغنى بها الشعراء. وحلم بها الفلاسفة. وداعبت خيال الحالمين بعالم يسوده الرخاء ودعة العيش. ما فيها من فقير ولم يعد متوفرًا أي مصرف من مصارف الزكاة. يطوف المنادي أياماً بحثاً عن فقير أو صاحب دين، أو معسر، أو شاب مقبل على زواج يريد معونة الدولة، لكنه يعود دون أن يجد طالب عون. اضطر الخليفة يومًا لأن يأمر بصرف الأموال التي ملأت بيت مال المسلمين لمصلحة طيور السماء، فأصبحت الدولة تشتري قمحًا وحبوبًا لتنشرها في قمم الجبال، حتى لا يقال جاع طائر في بلاد المسلمين.

يتجول المنادي في الشوارع، ليل نهار وهو ينادي:

من يريد الزواج زوجناه!!

من يريد أن يبني بيتًا .. بنيناه له!!

من عليه دين .. قضيناه عنه!!

من يريد أن يذهب إلى الحج، أو يعتمر أخذناه!!

هذه العبارات لم ينطق بها أحد في عصرنا الحالي، ولا في عصر النهضة الأوروبية، ولم يناد بها أحد في الدول النفطية الغنية. ولا في العالم الأول المتقدم بدوله الصناعية الكبرى. إنه فقط في دولة عمر بن عبد العزيز الفاضلة التي أقامها على دعائم العدل العمري. مقتديًا بنهج خاله الفاروق عمر بن الخطاب.

بل هي أوامر الخليفة الخامس الذي مات وعمره 40 عاماً فقط، إنه الخليفة الأموي: عمر بن عبد العزيز – رحمة الله عليه، الذي ساوى في النفقة بين الفقير والأمير، وكان هو القدوة في ذلك. يطفئ سراج الدولة الذي يوقد من بيت مال المسلمين عندما تنتهي مهام الدولة الرسمية. ويسرج منزله من حر ماله. فيما تبقى من الليل.. كان أبناء الخليفة أقل هندامًا من أبناء الرعية في المناسبات والأعياد. فلما حدثوه بذلك جمع أبناءه وبناته فقال لهم هل ترضون بأن أجعلكم أثرياء وأدخل النار. قالوا لا والله.

الخير والبركة

جاؤوا إليه بأموال الزكاة .. فقال : أنفقوها على الفقراء.

فقالوا: لم يعد في أمة الإسلام فقراء!!

قال لهم : جهزوا بها الجيوش

قالوا: جيوش الإسلام تجوب الدنيا، وهي مكتملة العدة والعتاد!!

قال لهم: زوجوا بها الشباب

فقالوا: ما من شاب كان يريد الزواج إلا وزوِجناه، وبقي مال!!

فقال لهم: اقضوا الديون عن المدينين

فقالوا: قضيناها حتى لم يبق مديون، وبقي مال!!

فقال لهم: انظروا إلى أهل الذمة من “المسيحين و اليهود” من كان عليه دين، فسددوا عنه

ففعلوا، و بقي مال!!

فقال لهم: أعطوا أهل العلم .. فأعطوهم، و بقي مال

فقال لهم: اشتروا قمحاً، وأنثروه على رؤوس الجبال؛ حتى لا يقال: جاع طير في بلاد المسلمين.

ما سر انتشار الخير والبركة في أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز؟،تاسع خلفاء دولة بني أمية، ولكنه عد الخليفة الخامس بعد الخلفاء الراشدين. وهو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الميلاد 61 هـ «681»م المدينة المنورة، الحجاز، شبه الجزيرة العربية. الوفاة 101 هـ«720»م عن «40 سنة» ومات بدير سمعان. معرة النعمان، الشام، وسبب الوفاة تسمم. حيث أنه ‏دفن في إدلب بالدولة الأموية. الكنية أبو حفص اللقب خامس الخلفاء الراشدين. الديانة مسلم.

وقد تمكن من القضاء على الفقر، في مدة حكمه التي لم تتجاوز العامين. دون خطط خمسية ولا عشرية. وقضى على الديون وعلى ظاهرة تأخر سن الجواز، وحارب الفقر حرباً بلا هوادة حتى قتله. وحج واعتمر كل مواطن فقير في عهده على نفقة الدولة. وأغدق على العلماء وطلاب العلم، لدرجة أنه لم يجد مصرفاً من مصارف الزكاة بين المسلمين وأهل الذمة من النصارى واليهود، فقال للعمال قولته الشهيرة: ألقوا فائض القمح والبذور في الصحراء حتى تأكل منه الطيور فلا يقول الناس جاع الطير في بلاد المسلمين.

حقق ذلك كله بشيء واحد فقط، هو ضبط الإنفاق العام. حيث نزع من ملوك بني أمية كل المخصصات المالية البذخية التي كانوا يتمتعون بها لصالح الدولة. فلا غرو أن يقتل مسموماً من أحد أفراد خدمته الذي أغري بالمال، فدس له السم. وقد عرفه وهو على فراش الموت، وعرف من أغراه. وأنه أغري بمنحة مالية قدرها 10 آلاف دينار. وعفا عنه وأعتقه بشرط واحد وهو أن يرد المال الذي قبضه لبيت مال المسلمين.

زر الذهاب إلى الأعلى