أدبي

لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم

وقت النشر : 2022/12/02 12:33:51 AM

لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم

بقلم/ محمد شبكة

مكتب الشرقية

لا شيء أضر على الإنسان وأضيع لجمال خصائصه العليا أكثر من جهله ؛ أو تجاهله بحقيقة ذاته. ولا نعني بذلك سر روحه، فإنه مما لا يمكن نفوذ العقل إليه من طريق المشاعر ؛ بواسطة الأمور المحسوسة. ولكن نقصد بتلك الحقيقة مواهبه السامية، وملكاته العالية، واستعداده لبلوغ كل ما يتصور من الكمال والرفعة في عالم الممكنات.

استعداد الإنسان لإدراك كل ما يتصور من الترقيات الجسدية والروحية؛ أصبح من البدائة العلمية. لا سيما بعدما توقف علماء الفلسفة التاريخية على ناموس الارتقاء؛ الذي يستطيع أن يدركه كل إنسان، بطريقة محسوسة من النظر إلى ما كانت عليه حالة الإنسان في أول أدوارها. ثم إلى ما انتهت إليه في هذا الاعصار المتأخر، من الكمالات الصورية والمعنوية التي لم تكن تحلم بها أرقى فكرة في الأزمنة البعيده .

ردع الإنسان

ولما كان لكل حقيقة لوازم تتبعها ونتائج لا تزايلها، فلوازم هذه الحقيقة ردع الإنسان عن الإيغال في سفاسف الأمور. ودنايا الشؤون وصده عن الإسترسال في معاطاة الخسائس، ومداناة الشرور. نعم يندر أن يتحلى إنسان بإدراك هذه الحقيقة، فيستخذي لداعي هواه المضل، أو يلين قياده ليد بهيمته، الملازمة لشكله الحيواني. هذه الحقيقة هي أقوى باعث للإنسان على تلمس الفضائل، وأهدى هاد له على سلوك مهايع الكمال في هذا المعترك الهائل.
صور لنفسك رجلاً رسخ في فؤاده، أنه نسخة صغرى لهذا الوجود العظيم ، وأن أمامه غاية لا يحددها التصور ولا يتطاول إليها الخيال. وكذلك أنه خلق لبلوغها، وطبع على البحث عليها، ثم بإزاء هذا رجلاً آخر، تكائفت على لبه ظلمات الطبيعة الطينية، وغشت فطرته الإنسانية غياهب قوته البهيمية، لا يرى أمامه إلا كئافات هذه الطبيعة، وظواهرها القشرية، وضرب بينه وبين الفكر في نفسه بحجب كثيفة، من إشتغالاته الواهية الوهمية. قلنا تخيل مثل هذين الرجلين ثم قل ماذا ترى في أفعال الأول من كمال ونظام، وفي أقوله من حكمة وإحكام، وفي حركاته من حزم ووقار، وهمة واقتدار. وماذا ترى من أفعال الثاني من نقص وخلط، وفى أقواله من خشونة وخبط، وفي حركاته من طيش وخرق ومن جبن ونزق؟.

ثم مثل لنفسك بعد هذا كله، قومًا من الأقوام رماهم الله بكساد العلم، وكراهة الحكمة، وقضى عليهم بمجافاة الإطلاع، وموات الفكرة. فماذا ترى من مصائب تحيط بهم؟ وجوائح تجتاح طيباتهم؟ وخلل في أمورهم؟ وزلل في سائر محاولاتهم ؟.
فسبحان الله (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (وخلق كل شيء فقدره تقديرًا ).

لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم بقلم/ محمد شبكة
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم بقلم/ محمد شبكة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى