أدبي

قطعة جبن

وقت النشر : 2022/12/17 09:42:32 AM

قطعة جبن

بقلم: أماني طه

ساد الصمت داخل المنزل تلك الليلة. كان الفأر الصغير جائعاً، وعلى وشك أن يغلق عينيه من الإرهاق.
برغم أن الفأر شعر بإلهامه الباطني؛ أن ثمة أمر غريب، على غير ما تعود عليه، فكيف للقطعة الصفراء ذات الرائحة الأخاذة، أن تبيت خارج الثلاجة؟
وهل لما رآه الفأر صباحاً، من وصول طرد إلى المنزل علاقة بالأمر؟ صحيح أن الطرد كان مغلفاً، لكن هو نفس حجم الصندوق الحديدي الموجود داخله قطعة الجبن. هل اقتربت الساعة؟! أو أعلن أن غداً يوم القيامة؟ من أجل ذلك اشتروا لي بيتاً، وعلقوا لي قطعة جبن بداخله؟ ولماذا الصندوق حديدي؟ لماذا ليس من الخشب؟
اقترب الفأر من الصندوق متلهفاً إلى الفوز بتلك الغنيمة. تغلبت شهوة حبه للطعام على إلهامه الباطني، لكن قادته شهوته إلى العذاب، لم يكن يعلم الفأر أنه اشتهى قطعة جُبن؛ لتكون هي السبب في آلامه ومعاناته.
وقع الفأر حبيس المصيدة، ويا لِحظه التعيس! فقد انغلق باب المصيدة على ذيله، فزاد على ألمه النفسي ألماً جسدياً لا يُطاق.

حاول مراراً الفرار من بين القضبان الحديدية، ولكن حالت بدانته دون الخروج للحرية، وباءت كل محاولاته بالفشل. يعتريه شعور بخذلان الغدر من أصحاب البيت، وخذلان عقله، وحكمته له.
وبدأ يطرح أفكاراً على نفسه مخاطباً العالم حوله، الذي بكل تأكيد لن يسمعه:
-أين المشكلة في رغبتي في تذوق طعم الجبن؟ لماذا صنع ذلك الفخ لي؟ ماذا فعلت لكل هذا؟ ألهذه الدرجة تصل قسوة القلوب؟ ترى ماذا سيحدث لي؟ وبأي طريقة سيتخلصون مني؟
جسده كان يرتجف بشده، وهو يحاول قطع الحديد بأسنانه مرة، وأخرى يهز المصيدة كلها، ويدفع بابها عله ينجح في الهرب، ولما يأس من النجاة، نظر إلى قطعة الجبن، وبدأ في التهامها.

انتفض الزوج من سريره؛ بسبب الضجيج الذي كسر صمت الليل؛ قادماً من مصيدة الفئران (الذي اعتقد الفأر بأنه بيته الجديد).
قفزت زوجة صاحب البيت من سريرها، وركضت إلى المطبخ؛ لترى مع زوجها، وهي في قمة الخوف من ذلك الضعيف المسجون في المصيدة. عندما وقعت عينيها على الفأر ووجدته يأكل قطعة الجبن داخل المصيدة؛ تهكمت قائلة:
-اتمسك وعمال ياكل برده ولا همه.
فهم الفأر ما تقوله فهو يفهم لغة البشر جيداً، وما كان منه إلا رداً قوياً:
-لو لم يجهل الآدميين لغة الحيوانات؛ لشعرت بالخزي من نفسها، وربما كانت تركته في حال سبيله. (إذا كنت قد وقعت في ذلك الفخ من أجلها، بعدما ذاب قلبي في اشتهائها. ألا يكفي أن الموت أصبح مصيري، وقادم لا محالة؟ كيف أموت من أجلها ولم أحصل عليها قبل الموت؟ إذا كان القاتل قبل الإعدام يسمح له بطلب واحد قبل الموت! فكيف لي أن أتركها؟! وما أنا بقاتل!
عجبت لكم أيها الناس، أول ما تبحثون عنه بعد النهوض من الفراش، هو وجبة الإفطار! تتهكمون علي وكاد الجوع يقتلني!
لا أعلم ماذا حدث، أو ما سيحدث لو ترك أحدكم قطعة صغيرة لي؛ أقتات منها من حين لأخر؟

ظل يفكر الفأر في كيفية التخلص منه. ترى كيف سيقتلني؟ أبطلقة؟ أم بماء مغلي يغمرني داخله؟ أم ماذا؟
وها قد حانت اللحظة حمل الزوج المصيدة؛ ذاهباً للتخلص من الفأر، والفأر يحاول بكل الطرق للمرة الأخيرة، الإفلات من الموت. وبالفعل دنا الزوج بالمصيدة، في دلو مملوء بالماء المغلي تتصاعد أبخرته بشدة ترهبه، وما إن غمسه كلياً في الماء؛ حتى صرخ الفأر صرخة مدوية؛ ليستيقظ مستغيثاً من نومه، فهلعت زوجته وتساءلت:
-ماذا بك أيها البائس؟
كابوس مفزع جداً، كنت هموت بسبب حتة جبنة رومي.
= ياه دا أنا نفسي فيها أوي عشان بتوحم عليها.
صرخ الفأر في وجهها وقال:
-لأ جبنة رومي تاني لأ، نامي يا ولية أحسن لك.

قطعة جبن بقلم: أماني طه
قطعة جبن بقلم: أماني طه

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى