أدبي

الإنسان والإيمان

وقت النشر : 2022/12/23 06:05:42 AM

الإنسان والإيمان

يكتبه: محمد شبكة

كان الإنسان في دوره الأول مطبوعًا على الإيمان. لم يكن للشبهات والشكوك سلطان عليه. وكيف يشك فيما يحس في ذاته؟، ويشعر بالدافع له إليه؟. ولما ابتدأت قوى التعقل تسوق الإنسان إلى التملي بمجالى هذه الطبيعة الباهرة؛ وتبعثه للحكم عليها بقدر ما وهب من قدرة التميز؛ أخذ قبل كل شيء يبحث في موضوع عبوديته. طفق يسمو بروحانياته ليدرك ذات المتصرف في هذا الكون العجيب. لذلك جال في هذا المبحث العظيم جولة الطفل، تشغله ملهيات الظواهر عن حقائق البواطن، وتستوقفه بهارج الأعراض عن النفوذ إلى الجواهر. وناهيك بعقل البسطاء من سكان الكهوف. لقد صار يشخص إلهه على مقتضى حواسه الشخصية وخصائصه الذاتية، ثم يُخرج تلك الصورة من حيز الخيال إلى حيز الظهور. كما أنه اتخذ الأصنام والتماثيل وملأ بها المعابد، وكلف نفسه تقديم الهدايا والذبائح إليها، وإقامة الحفلات والولائم لها. لذلك صار يرقي معبوده في الشكل والخصائص كلما ارتقى درجة في التصور حتى انتهى حالها من جمال الصنع ورشاقة الوضع إلى ما وصلت إليه عند قدماء اليونانيين والرومانيين. وكان ذلك في هذا الدور دور التخيل والتعقل.

دفاع المستميت

كان الله تعالى يرسل رسله تترى إلى الأمم بالعقيدة النقية الخالصة من شوب الظنون وكدر الخيالات ليخلع الناس ذلك النبر الثقيل الذي ألبسوه أنفسهم. فما كان يهتدي منهم إلا الذين استعدت أفئدتهم لقبول ذلك النور وقليل ما هم.
عرف الإنسان في كل زمان ومكان بشدة الكلف بدينه، وعظم التمسك بمعتقداته. لفد كان يدافع عنها دفاع المستميت البائس، وينتصر لها انتصار المهضوم حقه، المصاب في عرضه. وكذلك لا يتأخر في إلحاق الضرر بالساعين في تهذيبه حتى قتل بهذه الحجة الكثير من الأنبياء وألوفًا من الحكماء وأصحاب البصر. عد قتلهم نصرة للدين الحق على الأباطيل. ظل الإنسان ينسج على هذا المنوال العدائي ضد عقلاء أفراده، حتى تفجرت ينابيع الحكمة في باحات القلوب ولطفت إحساسات الناس نوعًا بواسطة تلك العوامل التي خلقها الله تعالى لإيقاظ هذا النوع فتبين لهم أن الوثنية عبء ثقيل على المدارك. واتضح لهم أنها بنت الخيال ونبت الضلال، فأفردوا للكون إلها واحدا، وعزوا إليه من الصفات منتهى ما وصلت إليه مداركهم.

الإنسان والإيمانيكتبه: محمد شبكة
الإنسان والإيمان
يكتبه: محمد شبكة

زر الذهاب إلى الأعلى