أدبي

نبض

وقت النشر : 2022/08/12 11:12:31 PM

نبض

بقلم شيماء محمد الجمل

جافاها النوم لعدة أيام. كلما حاولت الذهاب إليه والغرق فيه، لفظتها أفكارها بعيداً عنه فتعجز عن إغماض عينيها.

تزاول مهامها اليومية بكفاءة واهتمام،لكنها تتهرب منه. تخشى أن تتلاقى نظراتهما فينكشف أمرها، ومع ذلك تريد أن تخبره عما ألم بها بهدوء ودون أن ينهال عليها بالأسئلة فيصبح بوحها على سبيل الإعتراف.

قررت إخباره في تلك الليلة. استجمعت شجاعتها. رتبت أفكارها. وقبل أن تأوي لفراشها راجعت أفكارها مرارا ورددت ما ستقول قبل مجيئه. شعرت بالتوتر حين سمعت سعاله أثناء اقترابه من غرفتهم، ضمت ركبتيها واحتضنت وسادتها بقوة لو تحدثت الوسادة لصرخت ولدفعتها بعيداً عنها.

دلف إلى الغرفة. ألقى عليها نظرة سريعة قبل أن يتجه إلى حاسوبه ليتأكد من وصول بعض الرسائل. نبضاتها تتسارع. تشعر بقطرات عرق وهمية تكسو جبينها. مررت يدها المرتعشة لتمسحها. أرادت إنهاء الأمر فقالت باقتضاب:

_أريد التحدث معك.

نظر إليها وعلى وجهه ابتسامة قائلا بهدوء:

=وأخيراً! تحدثي.. أسمعك.

تنهدت بعمق لتقول دفعة واحدة:

_أنا حامل، أعرف أنه خطأي ولكن لن أتخلص منه حتى وإن كان ثمن تمسكي به فراقك.

ثم اختبأت خلف وسادتها لتحتمي بها من غضبته.

قام من مكانه متجهاً نحوها. شعرت به يجلس بجوارها فانكمش جسدها وزاد تمسكها بوسادتها.

وضع يديه فوق يديها المنقبضة لترخيها. أبعد الوسادة، أراد رؤية وجهها المحتقن، وقال بنبرة ثابتة:

_ماذا قلتِ؟

قالت بصوت متعب من كثرة الكتمان والخوف:

=لن أتخلص منه، أرجوك لا تجبرني على ذلك..

أعلم أنك اكتفيت بأولادنا الأربعة ولم ترد إنجاب المزيد لكن…

_منذ متى وأنتِ تخفين الأمر؟

=منذ أسبوع.

=فهمت الآن سبب إرهاقك الدائم. ظننتها الحمية الغذائية التي تتبعينها.

_كل شي يحول بيني وبين تلك الحمية اللعينة.

ضحك بصخب تعجبت له. لم يثر، لم ينهرها، مازال هادئاً. ولكن، ترى هل يكون هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة!

مرت العديد من السنوات و مازلت طفلة،

أشار بإصبعه لجبينها هاتفا:

=ماذا تحملين في الداخل؟ أعتقد أنه مليء بالفراشات والزهور فقط. تعتقدين أني سأجبرك على التخلص منه!. من المحتمل أن أفعلها ولكن قبلها سأتخلص من رجولتي.

رفع وجهها إليه، تناول دمعة هاربة بإبهامه ليكمل:

=هوني على نفسك. الحقيقة أنني اكتفيت فعلا بأولادنا واتفقنا سوياً على ذلك. وشكرنا الله كثيرا على نعمته ولكننا لن نمنع رزق الله مهما حرصنا لست قليل الدين ولا المروءة لأقتل ابني.

شعرت أن روحها ردت إليها. أراحت رأسها على صدره هامسةً:

_ظننتك ستغضب.

ضمها إليه، مسح على رأسها بحنان هاتفاً:

‏=أنا غاضب بالفعل، ولكن لأنك ظننتِ بي السوء وذكرتِ كلمة الفراق. ومع ذلك سأسامحك فأنا أعرفك جيدا. سنذهب غدا إلى الطبيبة لنطمئن عليكِ وعلى القادم الجديد ولكن علينا أن نستريح الآن.

‏لم تجبه. نظر إليها ليجدها غارقة في النوم. أطفأ الإضاءة لينطفئ كل شيء معها؛ ‏الغضب و الخوف والقلق والتوتر، كل شيء إلا نبض منه سكن أحشائها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى