أدبي

السم الزعاف والترياق

من وحي يوميات العقاد

وقت النشر : 2023/06/16 11:40:12 PM

السم الزعاف والترياق 

من وحي يوميات العقاد 

بقلم: شيماء عبد المقصود

خلال الثلاث سنوات الماضية، وبالتحديد منذ أن غزا “فيروس كورونا ” العالم بسلاحٍ خفيّ، ذاك الذي لا يتعدى مثقال ذرةٍ، أي هباءً صغير جدًا لا يُذكر بالمرة، فلقد لفت انتباهي- بل إستشعرته أكثر منه إنتباهًا- أن في تلك الأثناء كان هناك هدوء يستبد مرور الأيام..

ينم عن عاصفة ستهب علينا، وسنخضع لها جميعًا بحكم أنها بوادرها سيطرت على المشهد ككل من قبل وصولها، فهي بخلاف “الجائحة” تمامًا، بحكم أنها لم تخضع لقانون كيميائي، ولا يُستدل على وجودها تحت أي مجهر، وإن كان هذا “الميكروسكوب ” الذي يُعد من أحدث التقنيات في ذاك الشأن، بالكاد هي ظاهرة تسللت بيننا، ترتدي قناعًا زائفًا موقوتًا، وإن كانت هي الأشدُّ رعبًا من الوباء نفسه، ظاهرها “إحتياطات السلامة الأمنية ضد الإصابة بالفيروس،” وما خفيّ كان أعظم فالباطن “شيطان أخرس “يغول بيننا على وتيرة الحدث ومنذ بدئه، حتى تفشى وباء”الجمودُ” بزعمٍه الكاذب، فكل من يستظل تحت سمائه يتجمد رغمًا عنه نظرًا لدواعي أمنية، حتى صار -الجمود هو سيد الموقف –

جمود بكل أشكاله وألوانه، جمود نفسي، وجمود ديني، وجمود أخلاقي، وجمود فكري، حتى العواطف والمشاعر..لم يسلما من الوقوع تحت قبضته. وبالرغم من كل ذلك، وبعد جلاء الجائحة ..حاولنا إستعادة بعض ما تبقى منا، وحاولنا أن نوجهه من جديد لوجهته الأصيلة التي فقدنا بوصلتها بالأمس، لكنها أصبحت محاولات عديمة و بلا جدوى، لأننا صرنا مهزومين، أو بمعنى أخر “متشائمين” فهما على حدٍ سواء -إلا من رحم ربي-

وهنا وبالتحديد..يستلزم علينا الوقوف هنيهة.. لنلتقط أنفاسنا بعدما بدت كل معالم الصورة واضحة، حتى لو أنك قلبتها عن اليمين ستجد أنه لن يخلو بيت، أو حيّ، أو بلدة، أو مدينة كبيرة، أو صغيرة كانت على وجه البسيطة إلا وقد تعرض لهذا الوباء، ولو أخذك الفضول لتقلبها يسارًا ، فأظن أنك لن تكون جدير بتلك الناحية، لأن تأثير إنتشار الوباء وتداعياته..طالت كل العلاقات الإنسانية في حياتنا.. من أعلى القمة ألا وهي “منع الصلاة بالمساجد” إلى أدنى ما كان يمكن ذكره ألا وهي “المصافحة والسلام”.

لا أخفي عليكم، لقد كنت من أشد الناس عزلةً، وتنفيذًا لتلك الاحتياطات منذ أن استهل علينا المزعوم “كوفيد- ١٩” والإستهانة في ذاك الوقت ليس لها ثالث، فإما الحياة أو الموت، وإن كنت من الوجهة الأخرى اشبهه -بتعذيب النفس- لا سيما عندما خضعنا جميعًا لهذا -الحجر الصحي- وتحول البيت في خلال أيام إلى مستشفى تطوعي..

لكن الأدهى من ذلك وهو مازاد عذابي عذابًا أكبر..حينما كان يعلم أحد بما حدث لنا، لم يكفيه الحال الذي نحن عليه، بل الأسوء والذي كان شائعًا ذاك الحين أن الفيروس كان ينتقل عبر الهواتف، وإشاعات ليس لها آخر وقعت تحت طائلته، وإن كان معظمها أقرب منه للجنون، وانقطاع بذات الحين بين الأمل والقنوط، لكني اعتبرتها حتمًا تجربة حية كشفت لي أسرار في حياتي كنت عنها غافلة، ولعلي انتفع من وراء حكمتها بعد ذلك، لأعيد ترتيب أولوياتي.

وبالمصادفة ..وعندما اكتشفت منذ أيام أن “الفيسبوك “ألغى الصداقة بيني وبين معظم أصدقائي..وكانت تظهر لي علامة “الحظر”.!!

إمتلكني نفس الشعور الذي كان يحاصرني أثناء فترة “الحجر الصحي”، وعللت ذاك الشعور بأنه مجرد تقابل في الأحداث، فالحدثان كانا يمران من فوق ذاك الشعور كخطان متوازيان دون انقطاع، ولكنهما لن يتقابلا !!

فالأول؛ كان مجرد ترتيب للأولويات..

والثاني؛ علمنا حقًا من هم الذين يستحقون تلك الأولويات !!

يقول العقاد: “ثم مضت الأيام، ومضت الأعوام، وأصبحت أنظر إلى تلك الصورة بعينها فأحسبها قاسية عنيفة، وأحسبها بالغت في التشويه والتنبيه، لا لأنها قاسية عنيفة مبالغة ولكن لأنها أصبحت مع الزمن أقوى من الشعور الذي تقاومه، وأصبح الشعور الذي تقاومه غنيًا من عقار ناجع!!”

زر الذهاب إلى الأعلى