أدبيمقالات متنوعة

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة 13

وقت النشر : 2023/12/29 01:37:36 AM

تلك المرآة هي أنا” الحلقة 13

بقلم: الكاتب الروائي حسن العربي

بعدها انتقلا معًا إلى نقاشٍ طويل كانت المفاجئة فيه أنه هو الذي تعلم منها دروسًا في ماهية الحياة الحقيقية، والثبات عند الأزمات، ومجموعة متتالية من المواعظ والحكم الدينية التي ألقتها عليه ليلى فى غضونِ النصف ساعة وقت اللقاء. 

ما إن خرجت ليلى من الغرفة حتى تنفس الدكتور رشاد الصعداء واستبشر خيرًا، وقرر أن يختم يوم عمله بهذا اللقاء الدسم الذي أخذ فيه أكثر مما أعطى.

عادت ليلى مع الممرضة إلى غرفتها وبدأت تستعد كي تترك الغرفة وتعود إلى بيتها ومقر راحتها بين زوجها وبناتها.

 لم تكتف صابرين بسهراتها واحتفالاتها أمام التلفاز والفيسبوك وفقرات التصوير على التيِك توك، فانتقلت إلى استدعاء أصدقائها ليشاركوا معها عبثها حتى ساعة متأخرة من الليل، وكي لا يزعجها أو يعكر صفوها أحد فى تلك الليلة، فقد قامت بإعطاء أحد المنومات الخفيفة للبنات حتى ينمن دون حراك حتى الصباح، وانطلقت وأصحابها فى مجون فاضح وتسيب غير مسؤول حتى الساعات الأولى من الفجر.

يبدو أنها كانت قد قدرت وأحسنت اختيار الوقت واليوم، ففي هذه الليلة لم يعد كمال إلى المنزل كما تعود، فكان يقضي ليلته بضع ساعات في المستشفى وبضعًا منها يطمئن على البيت، لكنه كان قد أخبرها أنه ربما لا يحضر هذه الليلة كما بدا له منها أنها تقوم بواجبها على أكمل وجه واطمأن قلبه لذلك. 

استمرت مناوبات آمال وأحضانها الصباحية والمسائية فكانت تأتي في أوقات لا تزعج صابرين، ورغم ذلك فلم تكن آمال تشعر بالراحة أبدًا لوجود صابرين وكانت تحس أن شيئًا ما يحدث فى غياب الأسرة.

أما ريم فكانت على وعي جيدًا بأفعال صابرين، وقد نشب بينهما الكثير من التراشقات الكلامية كانت تنتهي عادة بانسحاب ريم إلى غرفتها مصطحبة شقيقتيها معها.

استيقظت ريم على صداع شديد وشعرت بحرارة فجرت تنظر في المرآة لتجد بعض البقع الحمراء فارتعشت وخافت، وتأكدت أنها مريضة لكنها لم تعرف ماذا تصنع، ففي هذا الوقت من الصباح تكون صابرين مستغرقة في نومها فهي تفيق عادة لتفتح الباب لآمال ثم بعد ذهابها تعود إلى نومها العميق.

الموقف أكبر من سنها وقفت فى حيرة شديدة ثم قررت أن تنتظر حتى تأتي آمال وتخبرها بما يحدث وتسألها عن هذه البقع الحمراء فى وجهها. وحالة الإعياء الشديدة التي تشعر بها في هذا الصباح..ثم قررت أن تذهب إليها وتستدعيها إلى هنا.

كنت أدخل بيت كمال وأشعر باطمئنان غريب وهذه الأحضان الحنونة أصبحت أدمنها وأحبها وأنتظرها كل عشية وضحاها.

فتحت الباب فإذا بريم وقد امتلأ وجهها ببقعٍ حمراءٍ غريبة، أزعجتني ولكنني لم أظهر قلقي لها حتى لا يخيفها ثم وجدتها تهمس لي وتأخذني إلى شقتها وإلى الغرفة وبدأت تسرد عليّ ما كنت أتوقعه من أفعال صابرين ثم أشارت إلى هذه البقع وقالت:

لا أعرف يا أبلة آمال ما هذا، بالأمس لم يكن هناك شيئًا، والآن أشعر أن وجهي كله ساخن.  

كنت أدرك أنني يجب أن أتخذ موقفًا جادًا، وأضع حدًا لهذه المسرحية الهزلية.

ساعدت البنات على ارتداء ثيابهن، وقررت أن آخذهن إلى شقتي حتى يتسنى لي فحص هذه البقع بأريحية، كنت أود أن أكون في المستشفى وقت خروج كمال وليلى لمساعدتهما.

أما الفتيات فقد كانت هذه أول مرة يدخلن فيها إلى بيتي، وحاولت أن أجعل الأمر عاديًا، جلسنا جميعًا فى الصالة ثم قمت لأجهز بعض الشطائر بالنوتيلا والشاي بالحليب لهن ثم اصطحبت ريم إلى غرفة أخرى وتركنا البنات:

أريني يا ريم هذه البقع، هل هناك ألم؟

أبدًا فقط البقع ظهرت فجأة عند استيقاظي، ولم أكن على ما يرام، كنت أشعر بدوار خفيف.

إذًا قبل النوم لم تكن موجودة؟

لا إطلاقا، أنا متأكدة من هذا.

حسنًا حبيبتي لا تنزعجي، إن شاء الله بسيطة. 

اتضح لي من الفحص الأولي أنها حالة حساسية نتيجة شئ ما قد تكون أكلته بالأمس، ولا يتقبله جسدها، ولكن على أية حال قررت فى نفسي أن أدهن لها بمرهمٍ مطهرٍ مؤقتًا من صيدليتي الخاصة، على أن أقوم بعمل تحاليل وفحوصات دقيقة بعد إخبار كمال بالموقف، لذا قررت إرجاء كل هذا حتى يعود إلى البيت، وقررت ألا أذهب إلى المستشفى وأن أجلس بنفسي مع البنات.

خرجت مع ريم من الغرفة وجلست ألعب مع البنات كطفلة صغيرة.

لحظات من دفء الحب الصافي كنت قد افتقدتها لسنوات طويلة، مشاعر لم أحصل عليها من زوجة أبي عندما كنت طفلة.

نسيت الدنيا كلها وأنا ألهو وأمرح مع مريم، وأداعب جيجي، وأغني وأرقص مع ريم، أخيرًا عرفت هذه الجدران المعنى الحقيقي للسعادة، وكأن عمري كله قد توقف عند هذه اللحظات الجميلة التي هبطت عليّ من السماء، منحة بعد سنوات لم أتوقع أن تنتهي أبدًا، فقررت أن أمنح نفسي هدنة من تلك التي تعكر مزاجي وممن تنغص عليّ أوقاتي، وقررت أن أنسى وجودها أصلًا، تلك المرآة اللعينة التي تكشفني أمام نفسي.

استيقظت صابرين من نومها العميق وهي تنظر حولها لترى آثار سهرة الأمس مع أصحابها وقد تركت معالمها على كل ركن من أركان البيت، كما لم تجد للبنات أثرًا، ووجدت المنزل خاويًا إلا منها، الشئ الذي أزعجها تمامًا وأفاقها من سكرتها ووقفت تفكر أين ذهبن وما الذي حدث وكيف تواجه الموقف؟ تأكدت أن أمرًا ما قد حدث لهن أو ربما قد أصَابتهن وعكة من أثر المنوم الذي وضعته لهن فى اللبن قبل النوم، وما قد يترتب على ذلك من مسؤولية جراء فعلتها، وخافت من المواجهة، ولما لم تجد لنفسها حلولًا قامت بجمع أغراضها مسرعة وتركت المنزل على ما هو عليه.

عرفت أن مصيرها حتمًا هو العودة إلى بيتها وإلى زوجة أبيها التي تعشق الوشاية بينها وبينه، بل وتعتقد أنها تتلذذ بركله لها وصفعاته القاسية بسبب أو بدون سبب. تلك الصفعات والركلات التي لم تترك علاماتها فقط على جسدها بل تترك آثارًا على نفسيتها، مما كان له تأثير كبير عليها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى