أدبيمقالات متنوعة

الثانية فجرًا بقلم: منى أحمد إبراهيم

وقت النشر : 2024/06/15 10:02:20 PM

الثانية فجرًا

بقلم: منى أحمد إبراهيم

نبضتي الثائرة..
لن أكتب كثيرًا.. فلقد التقم منكِ ولدان التجارب الكثيرون كلٌ طرف خيط.. لينسج كلٌّ منهم حروف مشاهده.. ويرسم خريطة نضجه كما خلفتها التجارب على صفحات أيامه..
تلك التجارب التي تظل تنكأ جراحًا تمنت النفس لو أنها تلتئم يومًا.. فأخذت ترتقها مرة بعد مرة بخيط الصبر والتجاوز.. حتى أُنهكَت من كثرة المحاولات فانفرط عقدها.. وتبعثرت.. فما هي اندملت ولا قُدِّر لها أن تذوق لذة الالتئام..

النضج هو أن تدرك كم كنت ظالمًا حينما فضلت أسر الليالي وظلمتها واختناق الأنفاس الطويل فيها.. على حرية النهار وضيائه وانبعاث الحياة فيه مع كل شهيق جديد..

هو ذلك النتاج المرير للتجارب والمواقف عبر الأيام.. حينما يمحي عذوبة الملائكية والفطرة النقية التي جُبِلنا عليها.. فلا يبرح الحلق بعدها مهما اختلفت درجاته أو مرت الأيام عليه..

ذلك التغير الفيزيائي لطبائع النفس.. والتحول الذي يجعلك توقن أن الأيام قد وضعت ختمها القاسي على بشرتك البيضاء لتسلم بأنها……. صارت ناضجة الآن..

هو أن ترى أشد الأشياء تعقيدًا في غاية البساطة.. ويصير بساط الأيام المحدود واسعًا لا أرجاء تحده.. حرٌّ كالسماء والهواء والضياء..

هو أن يتساوى معك الحنان واللاشيء.. العطاء واللاشيء.. الحب واللاشيء.. وتتقن وأد اللهفة حين انبعاثها.. وتخبو خيوط الاحتياج قبل انبلاجها..

هو ذلك الغفران المستمر.. والمستتر.. لجميع مرادفات العشق..
فتسلم بعبودية الصدفة.. وتكفر بما عداها من أديان.. لتعتنق فقط.. ديانة الذكريات..
ذكريات كل لقاءٍ خلَّف حياة.. وكل رحيلٍ أودى بها.. تاركًا نزيفٍ ينهمر لا يتوقف إلا بذهاب الروح عن الجسد..

هو كل البعض الذي اجتمع أخيرًا حينما لملمت شباكك التي لطالما تدافعتها الأمواج..

وكي لا أطيل أكثر..
فاختصارًا..
النضج هو تلك الرجفة حينما يزدرد الوعي ريقه وجلًا بينما يتساءل:
-” أمازال في جعبة الأيام أكثر مما رأيت؟”
ليكون الجواب هو:
-“لا تخف.. أغمض عينيك.. سلم راياتك.. وأطلق أشرعتك.. ودعِ السفن تجري كما تشاء.. ذهب الكثير عنك وبقي القليل.. قد مر الصعب وربما الأصعب.. ومهما جرى مازال في جعبة الأيام ما يستحق أن تعيش لأجله..

لتكون منذ تلك اللحظة على يقين أن نيل النضج حقًا يستحق كل هذا العناء……

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى