أدبي

الوعي

وقت النشر : 2024/08/02 01:07:11 PM

الوعي

بقلم: رهواجة محمد مراكشي

الوعي هو فَهْم السياسات التي تحكمنا، وهو مرتبط بالعلم والمعرفة والخبرة وهذه جميعها مرتبطة بالعقل والذي بدوره يميز البشر عن بقية المخلوقات، وكلما زادت نسبة المعرفة والعلم والخبرة زاد وعي الشخص وإدراكه، لذا يمكن التحكم فيه بقدر ما تغذيه من معارف وعلوم وخبرات ويتناسب معها طرديًا.

لا فرق في امتلاك هذا الوعي بين المتعلم الذي وصل إلى أعلى مراتب التعليم والشخص الأمي الذي انحصر في أدنى مراتب التعليم؛ لأن الوعي لا يقتصر على أن يكون الشخص متعلمًا فقط، بل يجب أن تكون لديه ثقافة وعقل ناقد، وهذه الميزات قد تكون عند شخص لم يحظ بالقدر الكافي من التعليم.

_ وخير مثال لنا هو نبينا الكريم ﷺ، فنجده في بداية دعوته لم يكسر الأصنام التي كانت حول الكعبة إلا بعد أن قام بتكسيرها من عقول أهل مكة أولًا، وبعد أن تحررت عقولهم من قيد العبودية للأحجار كسروها هم بأنفسهم، وتلك “الأيادي” التي كانت تخدمها وتتبرك بها هي من بادرت لكسرها، كسروا أصنام الفكر الخاطئ بسواعد الوعي الصائب، ثم انتظروا بوارق النصر والعزة لهذه الأمة.

إن الوعي لا يتطلب القوة، إنما يلزمه النضوج العقلي، لكننا في زمن لا يعترف بالنضج بل اتخذ أساليب تحت مسميات عصرية لا تمد للفكر بصلة، ولكننا نجدها الأفضل عند من لم يخطط جيدًا في بناء أي عمل يريد الوصول إليه.

إن النظرة المتأملة بعين البصيرة، هي التي تفحص الفراغ جيدًا لتتأكد ما الذي جعله لا يقبل الاختلاط بشوائب المتغيّرات من حوله، فالنضج العقلي ليس سهلاً بأن يتسم به شخص ما، ذلك ما يتطلب منا معرفة ذلك بالتخطيط الجيد، ورسم حياة فكرة ثابتة لا تؤثر عليها عواصف الزمن القادم.

إننا نعيش حالة من الذُعر كلما شاهدنا العالم يتصارع مع بعضه البعض، فانتشار العلم على أوسع نطاق، جعل الثقافات تتصادم دون أن تسلك كل ثقافة طريقتها الخاصة، وهذا مما جعل عقولنا أقل نُضجًا رغم التوسع الثقافي والفكري.

لقد تأخرت الأهداف في تحقيق المراد، ذلك ليس لصعوبتها، إنما لعدم الإدراك الجيد والإلمام بالجوانب المختلفة التي تحيط بنا، كالجوانب النفسية، والفكرية، والاجتماعية والسياسية أيضًا، وبالتالي غاية ما نحتاجه اليوم هو صناعة الوعي بطريقة مكثفة، وإعادة بوصلة الناس نحو الهدف الأسمى، إحداث التغيير وإعمال اليقظة، وصناعة النهضة، فمن المؤسف حقًا أن تصبح غاية وحلم المشهورين أن تكون معروفًا بين الناس بغض النظر عن ماهيتك تلك المعرفة أسلبية أم إيجابية، أفي الخير أم في الشر، لم يعد هناك ما يسعون إليه سوى الشهرة فقط، الشهرة على حساب المبادئ والقيم، الشهرة على حساب العادات والتقاليد!

إن التميز خلاف الشهرة، إن التميز عطاء نهضوي تقدمه للأمة وفي صعودك على الأقران فتكون متميزًا عليهم، لكن الشهرة تعني معرفة الناس لك دون أن يكون لك شيء حقيقي تتميز به، إن الشهرة مخالفة السائد وتعدي على العادات وشذوذٌ على المألوف.

يجب أن نعي أن الأمر بات خطرًا، لقد تاهت الناس مع أمر غايتها، وفقدت بوصلتها، فاتخذت من الجهلاء والسفهاء قدوة وقبلة، لقد غدى أهل الجهالة وقليلي العلم متصدري المشهد ليصبحوا نموذج مثالي لأبنائنا وبناتنا، وعليه لا نستغرب إن خرج لنا جيل هامشي بليد، ولمَ لا إذا كان هؤلاء هم قدوته!

إن واجبنا اليوم هو التصدي لهم، وبيان عورهم وقلة علمهم، ونقدهم، إننا في أمس الحاجة لصناعة الوعي، ونشر المعرفة الحقة، التي تعود بالخير على الأمة جمعاء، فإن كل مسلم هو في ثغر بما حوله، يبدأ بنفسه ومن حوله بالممكن فالممكن، لا أن نعيش تباكيًا دون صنع تأثيرٍ إيجابيّ حتى ولو على مستوى البناء الذاتي!

كن لنفسك اليوم لتكون لغيرك قدوة غدًا، فلقد استطاع البعض بمعرفته الصعود العميق لماهية الأحداث، فكانت انطلاقته بسلطان علمه، لكنه أُصيب بالتضخم، حتى انفجر لرؤية نفسه في القمة والعُلو، وعدم معالجة وتوضيح القصور لدى الآخرين.

يمضي بالمرء عمره وهو قابع في مكانه لم يصنع لنفسه ولا لأمته شيء، ليس له من أمره إلا التباكي والتبرير دون أن يكون له دور حازم في صناعة نفسه وصلاحها، ونسى أنه لن يغير الله قومًا حتى يغيروا ما بأنفسهم، فابدأ بنفسك واعزم أن تبني ذاتك من اليوم، بل من الآن، أنت وكل من حولك وكل من كان بك سبيل للوصول إليه، فالوعي يبدأ منك ثم إلى غيرك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى