أدبيمقالات متنوعة

أقبلَ إلى الدنيا فأقبلَ النورُ معه _ بقلم: مروة جمال

وقت النشر : 2024/09/15 03:33:02 PM

أقبلَ إلى الدنيا فأقبلَ النورُ معه

بقلم: مروة جمال

أقبلَ إلى الدنيا فأقبلَ النورُ معه
اليتيمُ الذي يُقلِّب نظره إلى السماء لم يجدوا ما يغنيه ولا ما يُغذيه، هيأ اللهُ له الأقدار؛ أن جعل مرضعةً ترفض العودة بين صويحباتها وليس معها رضيع، أخذته فباتت بخيرٍ وفيرٍ منذ اللحظة الأولى!
توالت الأيامُ وما زالت تهتم به وترعاه، ولولا خشيتها أن يظهر به ما تخافه بعد حادثة شق صدره التي حدّثها بها ابنٌ لها ما كانت لتُرجعه إلى أمه…

وليدٌ قُدر له أن يذوق اليتم مراتٍ عدة، نشأ ورعاية الله الدائمة تحوطه، ثم تسخير جده وأعمامه بعد وفاة أمه آمنة.
ترعرع حتى بلغ أن كان رجلًا من خيرة رجال قومه، أصدقهم قولًا، أفضلهم مروءةً، وأحسنهم خُلقًا.
نأى بعيدًا عن ملذات الحياة متخليًا طباع البشرية جمعاء بل تخطاها إلى السمو والرفعة.

ثريٌّ بالأخلاق؛ فكلما كانت أمور الجاهلية تقترب منه يضرب الله على أذنيه حتى توقظه أشعة الشمس في صباح اليوم التالي…

عائلٌ أغناه الله، صحِبهُ عمّه في تجارته ومن ثم استأمنته السيدة خديجة- رضي الله عنها- على أموالها لِما علمت من أمانته،
يشد رحاله فتظلله الغمام في يومه القائظ، تسير حيث يسير وتتوقف حيث يتوقف، يأوي إلى الشجرة ليستريح، فيميلُ فيء الشجرة عليه، وعن كثب راهب تبينت له أمر نبوته بعد تلك العلامتين؛ رسولٌ يُعطي بعد حرمان، ويهدي بعد ضلالة، يحمل دينًا حرر البشرية من أغلال الوثنية، وأحيا فيهم روحَ دينٍ سماويٍ خالدٍ شاملٍ تتفتحُ له القلوب، وتُشرقُ به الأفئدة، وتتهللُ به الملامح.

صدقُه أفاء عليه بتوافد أصحابه إليه ميممين وجوههم شطره معلنين إسلامهم..

تبيّن الرشد من الغيّ، فَرَجَّ الحديث عن الدين الذي جاء به صلى الله عليه وسلم مكة رجًّا، جعل من الذين أنكروه وكفروا به يتساقطون كالعهن المنفوش بعد أن قالوا عنه غريبًا جاء من مكة يسفه آلهتهم، لم يعلموا أنَ قوله الحق وقولهم في تباب.

رسولٌ بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، يعفو ويغفر متيقنًا أنّ في الآخرة الظفر والمثوبة.

لم يكن غليظَ القلب، تزوره الرأفة كلما تذكر أمه أو مرّ أمام قبرها، وتأخذه ما يأخذ الولد لأمه في الرقة.

مرشدٌ أكرم، وقائدٌ عظيم، ربّاه الإسلام، فلم تبعث نبوته ذرة واحدة من الكبر في نفسه بل رفعته فوق الثريا حتى تفرد في مزاياه وكان أسوةً حسنةً، ما انفرد قط بأمر من أمور المسلمين وإنّما كان يدعو أصحابه ليشيروا عليه، وإن سبق وعزم على رأي ورأى أنّ في مشورة غيره الصواب عدَلَ عنه.

يؤمن أنّ أساس التفاضل بين الناس ليس الجاه، ولا الحسب والنسب، بل التقوى.
يمتلك روحًا تركت في جسده الذي كان موئلًا لها مناعة تدرأ عنه سطوة الفخر والاستعلاء.

قضى حياته والصبر واقف جواره حتى برَّ بقول ثقيل أُلقيَ عليه حتى صعدت روحه إلى الله.
سلام ثم سلام على روحه المباركة وسيرته العطرة.

زر الذهاب إلى الأعلى