أدبي

تسريحٌ بإحسان

وقت النشر : 2021/12/09 09:36:32 PM
تسريحٌ بإحسان
بقلم: مها البساطي
تمْتماتٌ غيرُ مفهومة، وهَمَساتٌ أشبه بفحيح الأفاعي تتردد على مسامعي بقوة، وضعتُ وسادتي فوق رأْسي، حتى أُحكم غَلق أُذنَي، ولكن كيف أقطعُ تلك الهمهمات من رأسي المليء بما يكفيه.
فجأة انهال على قلبي وابل من الأَسهُمِ السامّة، تخْترق شُرفات قلبي المُنْغلقة على مُصابها.
اتضح لي أن تلك الأَسهم لزميلاتي؛ على الأسرةِ المقابلة لسريري في عنبر سجن النساء، الذي أَهم ما يُميزه رائحة العرق المُسجاة على كل إنشٍ في المكان، لمشاعر مضطربة من الخوف والقلق على المستقبل، الذي دهسته أقدام الماضي وسحقته الرغبة والمتعة المؤقتة.
قاتلة، مجرمة، جائرة..
كيف يضعون معنا قاتلة، وكيف لها أن تنام بعد جُرمها المشهود؟
لابد أن لها عشيقا وسيما قتلت زوجها من أجله.
قابلت كلماتهم بالصمت والبرود، كنت أشبه بفريسة مُقطعة الأشلاء، ما زال قلبها ينبض، فأنا أنتظر مصيري غير آسفة عليه، كما أني غير آسفة على قتل ـ القهرـ متمثلًا في رجل، ولو عاد بي الزمن للوراء لقتلتهُ مرةً أُخرى، فلم يسمح لي بحياة كريمة، ولم يهتم أحد،
غير آسفة على نفسي التي عاشت ميتة بلا روح، قتلها ودفن معها كل مشاعر الحُب والوَله.
تزوجته ابنة الخمسة عشر عاما، اقتطفني غصنا أخضر ينتظر أنْ يرويه عطفًا وحبا، ولكن عوضًا عنْ ذلك، ترك الغُصْن بلا قطرة ماء واحدة تسري بين أوصاله، لينمو ويُزهرْ.
تمردت شفتاي أن تلمس ذاك الفم المنافق وتعانق أنفاسه، وتمردت عيناي أن تراه بكل تفَاصيله التي يراها العالم ( تبارك الله أحسن الخالقين)، ولكني أراها قبحًا.
قتلته مرة واحدة، ولكن هو قتلني عشرات المرات بدمٍ بارد، ونفس باردة.
قتلته، ولكن ما زال صوت ضحكاته يتردد كشبح دائم، كلما زدت في الصراخ زاد معه الوجع والألم، وكأنه يتلذذ بآلامي.
أسكتتُّ صوته المتجهِم الذي دائمًا ما يصرخُ بي للأبد.
انتقمتُ لأنفاسي التي كِدتُ أنْ ألفظها، ورُوحي التي كادت أنْ تفيض لبارئها مرات عِدة.
قتلته حينما انْتَصف القمر المنير لوعةً، وشهقت السماءُ وأرعدتْ منْ قوةِ صراخي وبُكائي، بينما يتجاهل الجميع آهاتي.
حاولتُ النجاة مِرارا لأعود سريعًا لنقطة الصفر، فكان ذلك أشد وأَقّسى عذابا.
ناجيتُ ربي كثيرا ليرفُقَ بي، ليخلصني مِنهُ، فاستجاب لي، وخلص العالم منه أيضا.
( يا أيتُها النْفسُ المُطمئِنة ارْجِعِي إلىٰ ربِك راضيةً مرضّية)
اغفر لي يا رب، نفسا حرَّمت قَتلها، ولكن لم يكن لدي خيار؛ حتى التسريح بإحسان لم أحظَ به!
تسريحٌ بإحسان.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى