أدبي

نهاية قصة

وقت النشر : 2021/12/13 05:52:17 PM

بقلم: ماجي صلاح
خبر في الصفحة الأولى..
تم القبض على الأستاذ باسم؛ أستاذ التنمية البشرية المعروف، متهمين إياه بقتل زوجته.
قد نظن أن الحياة ابتسمت، فننهل منها حتى الثمالة، هكذا كان ظن باسم حتى استيقظ ذات يوم على صفعة قوية، وها هو ذا يجلس على أريكة في زنزانة الحجز، وقد أصبح وجهه ممتعضا، وقد أرجع رأسه للخلف مسندا إياها للحائط، وقد تسارعت الذكريات تطارده.
تذكر وهو يقف علي المنصة مشدود القامة، يتحرك بثقة ويكتب على سبورة بيضاء بضع كلمات بخط كبير:
– كيف تكون سعيدا؟
وقال:
– كيف تكون سعيدا؟ وكيف تعيش بين الناس واثقا من نفسك، ولا تهتم بأي كلام تسمعه منهم؟ وكيف تتعايش مع كل ما يمر بك من كوارث وأحداث؟
آه وألف آه!
تنهد متمتما:
– كم كنت أخدع نفسي حين ظننت أني أتحكم في كل شيء! ثم استفاق على صوت ينادي باسمه، نهض على عجل:
– نعم
قال الصوت:
– إفراج، فقد تم دفع الكفالة.
خرج بصحبة العسكري، وجد المحامي ينتظره، فخرجا سويا، وقال المحامي:
– أعلم أن الوضع صعب.
فرد قائلا:
– رجاء، لا تتحدث معي؛ أريد فقط أن أصل للمنزل سريعا.
وصل وأخذ حماما باردا، ثم جلس مع المحامي، فأخبره أنه لا جديد، فقد خرج بكفالة، ولكن كل الأدلة تشير إلى أنها جريمة قتل، وليس انتحارا
قال باسم: أنا لم أقتلها..
قال المحامي: أنت تعرف أنها رفعت قضية خلع منذ ثلاثة أيام بعد أن رفضت أن تطلقها.
قال: أجننت؟ أي طلاق أو خلع هذا؛ كله كذب؟!
أخرج المحامي من حقيبته بعض الأوراق، وقال:
– تلك هي الأوراق، قدمتها محاميتها للنيابة، وقالت؛ إن زوجتك أصبحت تخاف من الحياة معك، وأثبتت بالصور والكشف أن بها الكثير من الكدمات..
جلس ووضع رأسه بين يديه، طلب أن يتركه على أن يلتقوا غدا.
صعد لغرفته متكاسلا، وضع رأسه يحاول النوم، ولكنه تذكر حفل توقيع كتابه الأخير، وقد تجمع حوله الناس يطلبون منه التوقيع على كتابه ( ابتسم تعِش بلا أمراض)
كانت زوجته تبتسم وتتحدث مع الناس وهذا أمر غريب!
تذكر يوم التقاها؛ كانت هي في آخر سنه بكلية العلوم، وكان هو محاضرا زائرا في كلية الآداب، وحضرت مع بعض أصدقائها ووقفت معهم بعد المحاضرة.
تحدثت معه، فأعجبه جمالها شياكتها، أهداها كتابه ومعه رقم هاتفه.
تواصلا بضع مرات، ثم التقيا وكانت تناسب أحلامه جمالا وغنى وتعليما، عرض عليها الزواج فوافقت، كانت منبهرة به، مات والدها قبل الزواج، فتزوجا بعد أربعة أشهر من وفاته في صمت.
كم كانت غبية!
هل كانت تظن أنها في بيت والدها وأنه سيدللها كما كان؛ كيف وهو الذي لم يعرف معنى كلمة رفاهية!؟!
لماذا كرهته، واتهمته بالنرجسية، وحاولت أن تتمرد عليه؟!
صمم أن يحطم غرورها، قام من فراشه ورأسه تكاد تنفجر؛ كيف ماتت؟ من قتلها؟
لم يشعر إلا والتليفون يرن، إنها العاشرة صباحا، وقد نام على الأريكة.
كان المحامي، أخبره أنه سيمر خلال ساعة.
وصل في ميعاده، قال له:
– اعلم أنه بعد تشريح الجثة وجدت علامات ربط بالحبال على يديها وقدميها، مع وجود بعض علامات التعذيب في جسدها؛ تبين أنها تعرضت للإيذاء الجسدي، وأنه قد قام بمحاولة لجعل الحادث انتحارا، ولكنه أخطأ، فقد كان المسدس بجانب اليد اليسرى وهي لا تجيد استخدامها..
قال: أجننت يا رجل، ما كل هذا الهراء؟
في تلك اللحظة، دق جرس الباب، كان خطابا، وهذا شيء غريب، فهو لم يستلم خطابا منذ سنوات!
كان خطابا بلا اسم، فتحه وكان كالتالي:
” زوجي العزيز جدا جدا، حين تقرأ هذا الخطاب فلا بد أنك خرجت بكفالة..
اعلم أنى قد قررت قتلك وأنت حي بعد أن عشت معك خمس سنوات من الضياع، فلا أعرف هل أنا حية، أم أني جسد بلا روح؟!
فقد حولتني إلى كائن بلا معالم؛ عروسة ماريونت تحركها كما تشاء، فقد تعرضت معك لكل أنواع التعذيب، جربت علي كل دروس علم النفس؛ لم تضربني مرة واحدة، لكنك علمتني الإدمان حتى تدرسه في بيتك، حبستني في حجرتي بالأيام على الخبز الجاف، وكنت تضع الكاميرات حتى تراقب حالتي. كنت تتركني بلا ملابس في ذروة البرد القارس، وتستمتع بإذلالي، وإذا اعترضت لا أجد منك إلا الحبس.
وعند وجود لقاءات عامة خارج المنزل كنت تجملني وتختار لي ماذا أرتدى، وكنت أعلم أنى إذا تكلمت لن يصدقني أحد،
أما القشة التي قصمت ظهر البعير كانت يوم توفيت أمي؛ رفضت أن أرتدي السواد بعد أن عدنا، وفرضت علي أشياء ما أنزل الله بها من سلطان.
لم يكن لي إلا الله، وقد وكلته أمري، واليوم أوكل أمرك لله وللقضاء، واعلم أن لي شهورا أعرض نفسي للإيذاء البدني، وكنت أترك علامات على جسدي من حروق وكدمات وجروح عميقة، لن يراها أحد إلا في حال التشريح، وتعلمت كذلك استخدام يدي اليسرى حتى تثبت عليك أنك من قتلتني.
آه، نسيت أن أخبرك؛ لقد أطلقت شائعة بين الناس أن لك حبيبة”
أعاد قراءة الخطاب مرة أخرى حتى كاد أن يجن.
التفت للمحامي وأعطاه الخطاب، قرأه ونظر للخلف؛ كان هناك رسمة لصورة عروسة ماريونت، أعاد إغلاق الخطاب، ثم قال المحامي:
– هيا بنا للنيابة.
وتم عرضه على وكيل النيابة، وأخبره بما حدث، وكان الخطاب عبارة عن وجه مكتوب عليه ” أحبك، رغم ما سببته لي من ألم” ووجه عليه عروس ماريونت بحجم الصفحة؛ مفتوحة الفم تبتسم بشكل غريب، كأنها تكشر عن أنيابها.
اعتبرته النيابة أنه يسخر منها، هو والمحامي، فأقسما بما قرءا، ولكن هيهات!
وكانت مشكلة جديدة، أصابه انهيار وكان لا بد من نقله للمشفى.
في ذلك الوقت، تم مصادرة جهاز الكمبيوتر خاصته، وبالفحص وجدوا ملفات ممسوحة، وكانت عن كيفية ارتكاب الجريمة الكاملة، وكذلك عن الهروب من السجن بادعاء الجنون، وملفات من هذا القبيل تم مسحها منذ شهور، ولم يستطيع أن يثبت أي مما ادعاءه؛ هو أو المحامي فيما يخص الخطاب.
خبر في الصفحة الرئيسية..
تم الحكم على باسم بالسجن المؤبد مع الشغل والنفاذ لقتله زوجته، وما زال مصمما أنها انتحرت..
وصلت محامية زوجته للسجن بناء على طلبه، سألها عن الخطاب، فقالت بأن زوجته تركته عندها منذ شهور، وبالتحديد بعد وفاة أمها ببضع شهور، وجعلتها تقسم ألا تفتحه، وأن ترسله لزوجها في حال وفاتها، ويكون ذلك بعد شهر بالتمام من موتها، وقد نفذته.
كما قالت لها؛ إذا كانت وفاتي بصورة غير طبيعية، فاعلمي أن زوجي قد قتلني، وكانت تخاف منه كثيرا، وطلبت أن تقوم بإجراءات الخلع في سرية تامة..

انهيار باسم ودخوله في حالة من الهستيريا، مع محاولاته الانتحار، وتم حجزه في عنبر الخطرين..

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى