أدبي

إن بعض الظن

قصة قصيرة

وقت النشر : 2021/12/20 09:02:25 PM

إن بعض الظن
بقلم. إسلام رزق

قبل أن أقص عليك قصتي، لدي سؤال مهم أريد أن أطرحه عليك، ولا أنتظر منك أن تجيبني أنا لأن ما يشغلني حقًا هو أن تجيب نفسك، ولكن بشرط ألا تتعجل فى الإجابة.
والسؤال هو: علام يعتمد تقييمك للأشخاص؟!
وهل يجب أن تشكل قيمة الشخص – من وجهة نظرك – اتجاها آخر للحكم؟!
أردت ذلك ـ عدم التسرع فى الحكم ـ لأنك حتمًا سوف تخطئ في الإجابة، أو بالأحرى لن تصل الآن لما أريد!
وقبل أن أطيل عليك، أو أرفع عدد الأسئلة المهمة، آمل حقًا ألا تكون كالكثير من البشر ممن يقيمون الشخوص من الشكل الظاهري، أو من خلال مهنتهم المتواضعة كما حدث معي.
لا أفضل ذكر اسمي، فهو لا يشكل أهمية قصوى في الأحداث، لأن الأهم هي مهنتي؛ فأنا حارس عقار.. ”بواب‟ بلهجة العامة، وأقوم حاليًا بحراسة عقار كبير قيد التشطيب في إحدى المدن المجاورة لقريتي.
في يومٍ من الأيام وأثناء قدوم العمال لبدء عملهم عند التاسعة صباحًا، تفاجأت بأحدهم مع وصوله إلى الطابق العلوي يصيح باسمي وقد أفزعني صوته مطالبًا إياي بالصعود سريعًا إليه!.. فهرولت وأنا أردد: علّهُ خير! علّهُ خير!
استقبلني بشكلٍ مهين جدًا، ونظرة شك تنم عن احتقارٍ يداريه خلف عينيه اللتين تشعان النيران من خلالهما.
عندما خطت قدماي الغرفة التي ينتظرني بداخلها تأكدت أنه ليس كما كنت أردد، فلم يشرع العامل في تبديل ملابسه حتى وقال باتهام: أين هي؟!
فاستفهمت: أين ماذا؟!
فسأل مرة أخرى وقد رفع صوته: دع ذلك الخبث جانبًا وأخبرني، أين هي؟!
فظهر على وجهي قليل من الضعف وأنا أجيبه: أقسم لك أننى لا أعلم شيئًا عما تتحدث.
فقال: أين الزجاجة؟!
لأستفهم: أي زجاجة؟!
فقال: أين هي زجاجة المياه خاصتي، كانت هنا بالأمس؟! قالها وهو يشير إلى زاوية من زوايا الغرفة.
فأجبته: لا أعلم!
فصمت قليلًا وهو لا يزال ينظر إليّ بنظرته الغاضبة ثم تابع: سوف أخبر المهندس المسؤول عن هذا العقار.
فسألته: وبم ستخبره؟!
قال: بأن أحدهم قد سرق شيئًا من أغراضي الشخصية، ويمكن حدوث الأسوأ وسرقة ما هو أثمن كالأموال مثلًا.
تحدث محاولًا تهديدي، حيث يُعد ذلك اتهاما غير مباشر بالسرقة، ولأني ضعيف، أو بالأحرى الأقل قيمة منه لم أتمكن من مبادلته الصوت العالي ورد التهمة أو الدفاع عن نفسي أو حتى تمكنت من الإجابة على سؤاله؛ لأنني حقًا لا أعلم عنها شيئا وهو لن يصدقني وإن أقسمت.
حاولت إيجاد حل لهذا اللغز، فسألتهم: من منكم قام بإغلاق هذا الباب أمس؟
فأجاب أحدهم بدليل آخر ضدي: أنا من أغلقه، وعندما أتيت صباحًا اكتشفت أنه غير محكم كما تركته – بمعنى أن أحدهم كان هنا- فأجبته: حقًا! لقد جاء أحد العمال لرفع بعض المقاسات ثم غادر، ولم أتمكن من رؤيته وهو يرحل لأنني كنت أصلي العشاء، ولا يمكن أن أسأله عن شيء كهذا؛ لأنه يعد اتهاما بلا دليل.
وهنا علت نظرة الشك والاتهام وجوه الجميع بعدما رجحت كفته بدليل آخر ضدي.
أنا حقًا لم آتِ إلى هنا أمس، أو رأيت تلك الزجاجة سابقًا كما أنني لم ولن آخذ ما ليس لي.. لذلك حاولت البحث عنها مرات ومرات في كل ركن وزاوية من زوايا وأركان العقار، ليصل الأمر للبحث عنها في الخارج، وفى صندوق القمامة المقابل لنا، وأسوأ ما فعلته في حق غيري أني بحثت عنها في الأدوار الأخرى، وسألت عنها العمال الآخرين وقمت بالمثل معهم فشككت فيهم كما فعل معي مالكها، واتضح أن لا أحد يعلم عنها شيئا أو رآها، ولكن لا يجب لومي؛ لأنني سوف أطرد من عملي، وإن لم يحدث سوف يحذر الجميع مني! والأسوأ هو العقاب على جريمة لم أقترفها.
توجهت إليه بعدها لأعلمه بذلك، وما حدث من غضب العمال لما فعلته معهم، فسمعت أحدهم وكان يعمل خلف الباب قبل أن أطرقه يقول: لا داعي لذلك، إنها واضحة كوضوح الشمس ومكتملة كاكتمال البدر ليلة التمام، ولا تحتاج لأي دليل آخر، قد تكون أعجبته فأخذها لأحد من أطفاله، فلا داعي لذلك الحرج.

هل يمكنك يا عزيزي أن تشعر بما أشعر به الآن؟! لا أعتقد ذلك، فلن تكون يومًا أنا.
عادت عليّ بالسلب تلك الكلمات، وأثرت كثيرًا في نفسي، ومن شدة الحزن سجلت أعلى معدل لارتفاع ضغط الدم من ضربات القلب المنكسر، ولم أتمكن مرة أخرى من الدفاع عن نفسي.

عدت إلى مكاني خلف الباب الرئيسي مختلط الذهن شارده، لدرجة أنستني أن العقار يمتلك مصعدًا كهربائيًا، ومكثت أجاهد ذاك الشرود، ولكن دون فائدة، وظللت أعاني لفترة اكتشف بعدها شيئًا جديدًا، وهو أن لا أحد يهتم بشخصي، أو شعر بما يعكر صفوي، وتسبب فى حزني، بداية من سكان العقار، وغيرهم من الجيران، حتى الأطباء ومن يعرفني جيدًا؛ لأتأكد من مكانتي وقيمتي عندهم، لذلك طرحت عليك سؤالي السابق، وأود طرح سؤال جديد: بماذا تحكم عليّ في هذا الشأن؟!
تقول الأدلة بأنه لا سارق غيري، وأنا أقسم لك أني لم أسرق، ولا يوجد مخرج من هذا الاتهام سوى بأمر جلل يهبط من السماء، وهو ما يميزني عن الكثير من البشر ممن يبحثون عن أناس أعلى منهم قيمة لإخراجهم منها، أو يكفي مبلغا لا بأس به من المال للقيام بذلك، وأما أنا فأطلب ممن يملك الجميع، ويقلب أفئدتهم بين إصبعين من أصابعه، والقادر على إنصافي، لكننى أحد هؤلاء البشر، أملك نفسًا ضعيفة لا يمكنها تخطي أمر كهذا سريعًا، لذلك كانت تمر الثواني قاسية وصعبة للغاية وبخاصة مع انتهاء العمل ومغادرة الجميع والكل ينظر إليّ نظرة الشك والاحتقار في ذات اللحظة، لأنني لست سارقا فقط من وجهة نظرهم، بل أيضًا سرقت شيئًا وضيعًا لم يكن يجب علي أن أهين به نفسي، إلى أن جاء مالك الزجاجة وقال أثناء المغادرة: لأخبرن المهندس ثم رحل ليهاتفني المهندس حقًا مطالبًا إياي بانتظاره لأمرٍ هام.

ذات صلة

سرعان ما تنفست الصعداء بعدما اكتشفت أنه لا يخص ذلك الشأن، أو ينتمي إليه، وأنه لا يعلم شيئًا عما حدث صباحًا.
بت ليلتي دون طعام أو شراب، فأنا لست مهددا فقط بالفصل من عملي، وإنما مهدد أيضًا بسوء السمعة والسيرة، وهو رأس مالي وكل ما أملك لكي أعمل.
بحثت عن مخرج من ذلك الأمر الذى يشبه الدائرة المغلقة ولم أجد..
وفي اليوم التالي وجدت أن أثر الاتهام وصل إلى أواخر المنطقة، ونظر إليّ البعض ما يشبه تلك النظرات للعمال، أو أنه عقلي ما أوجد ذلك.
وكما أخبرتك بأن الله تكفل برد الحق، فحدث ذلك وظهر دليل البراءة، وثبت كذب ادّعائِه، أخبرت الجميع من العمال وسكان المنطقة ليعلموا بذلك ـ أنني لست بسارق ـ ولديّ الآن سؤال آخر، ولكن أريد جوابا سريعًا هذه المرة: إذا تأكد ظلمك لأحدهم، ما هو رد فعلك تجاهه؟!
علمت أن تلك هي إجابتك!
ولكن ما حدث معي غير ذلك.
لقد سمعت بعد ظهور براءتي مباشرة أحد المقاولين الكبار يقول بانفعال لصاحب الزجاجة وهو أحد عماله: أرأيت؟ لقد سمعنا صوت من لا قيمة له!!!

لم أتوقع أن يكون هذا هو رد الحق إلى أهله أو الاتجاه السليم للاعتذار….
آسف لأني جاهل، وآسف لأنه لا قيمة لي، وآسف لأنني فقير اضطر للعمل في مهنة متواضعة، وأعلم أنه ليس أنا من فعل هذا، وأن الإنسان لا فضل له على نفسه في أن يولد غنيًا تتوفر له كل سبل الحياة الكريمة، أو ينحت في الصخر كي يوفر أقلها لنفسه، وآسف على مجتمع مريض لا يقيم الأشخاص سوى بالمظهر الخارجي والذي يكون في كثيرٍ من الأحيان خادعا، وآسف لهؤلاء ـ من لم يجدوا من يخبرهم ـ أننا بشر من نفسٍ واحدة، وطبقات تخدم بعضها بعضًا لنحافظ على إعمار الكون وهذا هو هدفنا جميعًا من أي موقعٍ سواء كان شريفا أو حقيرا كما يقيمه البعض.
وبالمناسبة لقد نسيت ذكر دليل البراءة وهو أن العامل كان قد نسي إحضار الزجاجة ذلك اليوم،
أي أنه اتهمني بسرقة شيء لا وجود له.

إن بعض الظن.

تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق ريمونارف

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى