أدبي

مكتوب على وجهي صالحة للسرقة

وقت النشر : 2021/12/20 01:34:56 PM

مكتوب على وجهي صالحة للسرقة
بقلم: سماح رشاد

دائما كنت الأصغر حجما والأقصر قامة بين زملائي بالمدرسة، لذا كنت الأكثر عرضة للتنمر والسرقة، لي باع طويل في السرقة، لست الجاني إنما المجني عليه، بالأخص الشطائر.

عندما كان يدق جرس الفسحة أو الاستراحة بين الحصص كان كل التلاميذ ينزلون إلى فناء المدرسة الذي كان ذا مساحة صغيرة، يمتلئ عن آخره كأننا سردين مصفوف في علبة صغيرة، ويأتي مشهدي المعاد يوميا لأقف في زاوية بعيدة لأني خجولة للغاية ولا أختلط ولا ألعب مع البقية، أقف حاملة شطيرتي مرفوعة كمحارب رافع سيفه مستعد للقتال، لكني لم أكن أقاتل بل أستعد للخسارة..
مستعدة للسرقة، أراه من بعيد آت يبحث عني – أو أنه وجدني فعلا – يقترب ببطء ثم يركض نحوي يخطف شطيرتي، وقبل أن يرحل يدفع لي ثمنها عن طريق إخراج لسانه لي يغيظني ثم يردد (ياله يا أوزعة يا هبلة، يا أوزعة، يا….) أول مرة وثاني مرة كنت أبكي وأمشي ببطء إلى فصلي لأختفي تحت التختة لأكمل سيمفونية البكاء دون أن يراني أحد، وباقي المرات أعتدت الأمر فلم أكن أبكِي، بل كنت آكل شطيرتي بالفصل قبل سرقتها، وهكذا كنت أربح المعركة دون خوضها.

“القادم أجمل” هذه كانت فرضية أصِّبر بها نفسي، أقولها وأنا عائدة إلى بيتنا بعد المدرسة، لكن هل وجهي المكتوب عليه جاهزة للسرقة ينبئ بذلك؟
لا وربي، إذ يظهر “بلطجي” صغير أكبر مني بعام وهيئ إلي لطوله أنه أكبر بخمس سنوات أو أكثر وربما قصر قامتي سبب في توهمي ذلك، اقترب المارد مني بكل ثقة وخطف حلواي من يدي ووضع سبابته على فمه في إشارة أن أصمت ولا أصرخ أو أبكي، وفعلا صمتُّ ولا صوت خرج مني، وصلت إلى البيت وأنا أمقت ضعفي وخوفي، استقبلتني أمي بقبلة وعناق كالعادة، لاحظت صمتي وشرودي فسألتني ما بكِ؟
قلت كالعادة يا أمي سرقت للمرة..للمرة…..
لا أعلم عدد المرات، أخذتني في عناق آخر قائلة لا تهتمي سيتصرف أبوك بشأن الموضوع.
***************
سرقة مشروعة

ذات صلة

كبرت أصبحت مراهقة ومن ثم شابة وما زلت أُسرق لكن بطريقة لطيفة، مثل محاولتي إخفاء الشيكولاتة والمياه الغازية والعلكات ذات الماركة (تشكيلتس) بالفراولة أو القرفة الحارة، مرة أخفيها بعلب الأحذية الكرتونية أو تحت الملابس بالدولاب أو بالثلاجة ملفوفة بأكياس سوداء، وكثير من الحيل التي اعتقدت أنها ذكية، لكنها كانت أفكارا قديمة وغبية بالنسبة لإخوتي، كانوا يكتشفون مكانها أسرع من تفكيري في الحيلة وتنفيذها، حتى حقيبة المشابك المعلقة في الشرفة على مسمار لم تُجدِ نفعا، فلقد اكتشفها أخي سريعا وهو يدخن سيجارة خلسة من وراء أبي، لا يُكشف هو وتُكشف حيلتي أنا، وهكذا تتم سرقتي شرعيا من قبل إخوتي.
لا أعلم ما السر وراء سرقتي المستمرة، وللآن أسرق بعد ما أصبحت زوجة وأما، إذ أسمع صوت زجاجة المياه الغازية تفتح وخرفشة ورق شيكولاتة وأحدهم يقول وهو يشربها:
– أميييي أمييييي هذه لكِ؟ وأيضا الشيكولاتة لكِ؟
– لا يا حبيبي “دول بتوع” الجيران (يا لهويييي).

مكتوب على وجهي صالحة للسرقة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى