أدبي

أنا وابنتي والكورونا

وقت النشر : 2022/04/21 03:06:01 AM

أنا وابنتي والكورونا

قصة قصيرةبقلم: إيهاب فاروق

درب طويل عبر سنوات عمر طوال مشى به أحمد، المدير المالي بإحدى شركات القطاع الخاص،

رب الأسرة البالغ من العمر أربعة وخمسون عاما، لديه أولاده جمال وأمل ورانيا وياسمين.

والد أبناؤه هم كل ثروته، أفنى سنوات عمره في محاولة إسعادهم، وتوفير حياة كريمة لهم،

فأصبح بحبه الشديد لهم وتعلقه بهم، لا يجد لذة في دنياه أكثر من التواجد معهم والجلوس بينهم.

لم يفرق يوما بين أحد من أبنائه، فقد كان يحبهم جميعا حبا جما، وكانت أكثرهم قربا له ابنته الوسطى رانيا،

فقد كانت أول من يشعر به سواء كان حزينا، مهموما، أو سعيدا، فتأخذه بين أحضانها وكأنها الأم وهو طفلها،

وتغمره بحنان يجعله ينسى كل همومه وتعبه، وكان هو أيضا لا يشكو وجعه إلا لها.

ذات يوم، طرق باب المنزل ذاك الشاب الوسيم طالبا يد ابنته رانيا للزواج، فرحت رانيا،

وغمرت السعادة قلب أبيها وجميع أفراد الاسرة،وسارت الأمور على خير ما يرام، وتم تحديد موعد الزفاف،

وجاء اليوم الذي رأى الأب ابنته بثوب الزفاف لتكون أجمل عروس في الكون،

كانت سعادته الكبرى بعد زفاف أختها أمل الذي سبق زفاف رانيا بعامين، ورغم سعادة الأب بزواج ابنته،

إلا أنه كان يبكي كلما دخل غرفتها ولم يجدها،فبعد أن كان يصحو يقبل جبينها، ويقبلها مرة أخرى قبل أن يخلد إلى النوم،

أصبح لا يجمعهما إلا الهاتف ليحادثها عبره كل يوم لسماع صوتها والاطمئنان عليها، محاولا أن يشعرها بسعادته، مداريا عنها دموعه لبعدها عنه.

بعد مرور شهرين فقط من زواجها، تقدم عريس لابنته الصغرى ياسمين، وغمرت السعادة المنزل من جديد،

فها هي ياسمين الصغيرة أيضا ذاهبة لمنزل زوجها، ولن يبقى بالمنزل سوى الأب والأم والابن جمال الذي يعمل موظفا بإحدى الشركات الكبرى.

شعر الأب بالوحدة بعد زواج بناته الثلاثة، كان يتذكر ضحكاتهن في كل ركن من أركان المنزل، فيشعر بالحزن لبعدهن،

إلا أن سعادته بزواجهن ورؤيته سعادتهن بأزواجهن تجعله ينسى حزنه ويتمنى لهن السعادة والهناء.

بعد ثلاثة أشهر من زواج رانيا، جاءته مكالمة هاتفية منها، وكانت أجمل مكالمة، حيث بشرته بأنها حامل في شهرها الثالث،

طار الأب فرحا، فهو سيصبح جدا للمرة الثانية بعد حفيدته الأولى سارة لابنته أمل،

ولا ينكر أن السعادة تلك المرة مضاعفة، فذلك الحفيد سيكون من رانيا الجزء المضيء بقلبه.

مرت الشهور طويلة على الأب الذي كان يطمئن يوميا على ابنته وعلى حملها،

كلما صلى وسجد أخذ يكثر في الدعاء لها بأن يحفظها الله، ويرزقها الذرية الصالحة،

مرت الأشهر التسع، وجاء اليوم أخيرا لتنجب رانيا “حسين” الحفيد المنتظر، غمرت السعادة قلب الأب، وطار فرحا بحفيده وبسلامة ابنته.

لكن دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد ثلاثة أيام من الإنجاب، سمع الأب الخبر المشئوم، أصيبت رانيا بالكورونا،

صعق الأب من الصدمة، ولم يصدق الخبر، فأخذ يصرخ في حالة هستيرية: “ابنتي، ابنتي يارب، يارب نجها واشفها، ولا ترني فيها سوء يارب العالمين.”

هكذا أخذ يتضرع لله داعيا، باكيا، مهموما، وبالطبع كانت ابنته في حالة حجر بغرفتها بالمنزل حيث منعت عنها الزيارات، فلم يكن بمقدوره رؤيتها.

عاش الأب أربعة عشر يوما في مأساة وكرب وحزن، ليس بوسعه شيء سوى التضرع والدعاء أن ينجيها الله،

والاتصال بها يوميا ليطمئن عليها، ويقوي من عزيمتها مهونا عليها ما هي فيه، مداريا آلامه ودموعه وتمزق قلبه على حال ابنته،

حتى أنه كان يذهب لمنزلها يوميا عسى أن يراها بإحدى شرفات المنزل،

لكن هيهات فهي لم تكن تغادر غرفة نومها طيلة الأربعة عشر يوما الذين مروا عليه وكأنهم أربعة عشر عاما بل أكثر،

انقضت مدة الحجر والعلاج، والأب قائما يصلي ويدعو، وبعد أن فرغ من صلاة العصر -آخر يوم من أيام الحجر- اتصلت به رانيا هاتفيا:

الأب بلهفة وترقب: رانيا حبيبتي، هل قمتِ بعمل المسحة؟ ماذا قال الطبيب؟ أخبريني بالنتيجة.

رانيا بسعادة: لقد شفيت يا أبي، والنتيجة سلبية الحمد لله.

الأب: ابنتي، أتقولين الحقيقة؟ أم تهوني على أبيكِ؟ أحقيقة شفاكِ الله يا حبيبتي؟؟؟؟

رانيا: نعم يا أبي، وحسين ابني أيضا بخير، ولم تنتقل له العدوى، الحمد لله.

الأب باكيا: اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد.

 لم تكن الدموع تلك المرة إلا دموع الفرح، فقد شعر الأب أن تلك الفرحة هي أجمل وأغلى فرحة قد مرت عليه في كل عمره،

فها هي ابنته عادت لممارسة حياتها من جديد، ذهب إليها مهرولا، فارتمت في أحضانه،

ليقبل بحنان كل جزء برأسها ورأس حفيده الصغير،

أخذ يحمد الله تعالى وهو يشعر بسعادة لم يشعر بها أبدا من قبل فقد كانت الفرحة التي لا تساويها فرحة؛

أنها الابنة وأنه الأب.

أنا وابنتي
أنا وابنتي والكورونا

أنا وابنتي والكورونا

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى