أدبي

غصة

وقت النشر : 2022/05/09 04:33:58 PM

غصة
بقلم: شيماء الجمل

 

ارتعشت بين يديه، كلما ضمها تقلص

جسدها وتكورت بين ضلوعه.

تقترب منه للمرة الأولى، لم تعتد ذلك مع

أنه حقها الذي تناساه لسنوات وسنوات،

حتى أصبحت تستغربه، تشعر تجاهه

بالرفض.

أدرك ذلك حين لاحظ عدم استجابتها، و

جسدها المتشنج أرخا ذراعيه ليسمح لها

باتخاذ القرار .

لو لم تكن تخاف اللوم لدفعته بعيدًا عنها،

تأكد حين فرت من بين يديه بمجرد أن

شعرت أنها تستطيع.

 

نظر بأسى لوالدتها قائلاً:

_ماذا أخبرتِ ابنتي عني؟

 

=لاداعي لأن أخبرها أي شيء، يكفي ما

رأته من معاناة بدونك، يكفي شعورها

بالنقص، وبفقدان والدها وهو على قيد

الحياة.

لم تر شيئا جيدًا لتذكرك به، لم تر منك

سوى الهجر والنسيان.

 

– تهت في زحام الحياة، انشغلت عن كل

شيء حتى ذاتي، مرت علي لحظات

عصيبة لا أدري كيف نسيت كل شيء.

 

حدجته بنظرة غضب، قبل أن تقول:

-لماذا عدت ؟

=عدت لأني افتقدتكم، عدت لأعوضكم

عن سنوات البعد والحرمان.

-بل عدت لأنك كبرت، خفت أن تنهي

حياتك وحيدًا، تذكرتنا فجأة عندما تركك

من تركتنا لأجلهم، جئت تداوي خذلانك

لتقنع نفسك أنك مازلت موجودًا، وتمارس

سطوتك ولديك دور لتكمله.

 

صمتت للحظة تأملت فيها وجهه ثم

أكملت:

=ولكنك مخطئ، تأقلمنا على الحياة

بدونك، أصبح لدينا عالم منفصل لن نغيره

لأجلك، لن نتجاوز عن تقصيرك، ونفتح

أذرعنا لك، ولن يعوضنا حضورك الباهت

عن غيابك الجائر.

 

_ولكنكم تحتاجون لرجل.

 

=أرجوك توقف لم أعد أحتمل هذه

الكلمات سمعتها لسنوات من كل من

حولي، أرادوا مني رفع قضية والحصول

على الطلاق غيابيًا؛ ولكني لم أفعل،

أتدري لماذا ؟

 

تعلقت نظراته المليئة بالدهشة بوجهها

وهي تكمل بتحفز:

 

=لأظل أردد أمامهم أني سيدة متزوجة،

وفيّة لزوجي.

لكن الحقيقة أنك سلبت كل ما لدي من

مشاعر أنثوية، لم تترك لدي ما أقدمه

لغيرك، امتلأت بمشاعر الأمومة، وقضيت

عمري رجلاً أمام الناس، لم أترك

مسؤوليتي بل أصبح نجاحي تحدياً

خضته؛ لأشهره في وجهك عندما تعود.

 

أما الآن وقد رأيتك .. عدت امرأة، امرأة

تعاني جرحًا غائرًا في أنوثتها وكرامتها

وعمرها.

لذلك سأطلب منك أن تعتقني لوجه الله،

طلقني وستكون هذه هي الحسنة

الوحيدة التي تقدمها لي.

لن أحرمك من ابنتك أو أبعدها عنك ربما

تحاول تغير فكرتها عن الرجال حتى لا

تحمل عقدتك طوال حياتها، وتدفع ثمن

اختياري لك وتضيع عمرها.

 

_تكرهينني جدًا!

=ليس كرهًا بل هو ذنبٌ ارتكبته في حق

نفسي، وأظن أني كفرت عنه خلال

سنوات.

 

نظر إليها بحسرة يرى دموعها وقد

احتجزتها مقلتيها، ولا يستطيع منعها،

كان دوره منذ عرفته أن يكون سببًا فيها،

لم يعرف يومًا كيف يواسيها، أو يبدل

حزنها لفرح، لذلك وجد أن قرارها منصف،

وقد حان الوقت لكي يكفر بدوره عن

ذنبه.

 

حرك شفتيه محاولاً إخراج الكلمات من

حلقٍ جافٍ

قائلاً بألم:

-أنتِ طالق.

 

أدار ظهره وذهب كما فعل سابقًا، الصورة

تتكرر، والذكريات تُعاد، وتمر في رأسها

السنوات وكأنها ثانية!

 

استسلمت لفيض الدموع، أقبلت عليها

ابنتها، احتضنتا بعضهما كما اعتادتا منذ

سنوات في محاولة منهما لنسيان الغدر

والألم.

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى