أدبي

الوظيفة الفنية للنص الأدبي

وقت النشر : 2022/05/12 11:21:48 AM

الوظيفة الفنية للنص الأدبي
بقلم: مصطفى نصر

 

ليس الأدب هو فكرة، إنه أقرب ما يكون

للوجدان والشعور والصياغة الجمالية

بنسقها المؤثر، والأفكار والفلسفة مكانها

الطبيعي هو العلم، لكن الأدب يجب أن

يكون أيضًا مرتبطًا بجانب فكري، ليس

أفكارًا مركبة كتلك التي يتناولها العلم

بالأرقام والجداول والمصطلحات والأدلة

والشواهد، لكنها أفكار بسيطة تسند ما

يسمى بوظيفة الأدب في الحياة، وما

يقدمه الأديب للمتلقي من تجارب،

يستمدها الشاعر – كشخص صاحب

تجارب أعمق من المتلقي – يأخذ جوانب

من رصيد تجاربه في الحياة، فيقدمها

للمتلقي لكي تلهمه التصرف الصحيح في

الموقف المحدد إذا مر به مستقبلا.

 

وقد انتبه الناقد القديم في القرن الرابع

الهجري “ابن طباطبا العلوي” للفرق بين

الشاعر والفيلسوف من ناحية تناول

الجوانب الفكرية في نصوصهم، مشيرًا

إلى أننا عندما نتحدث عن الفلسفة

والحكمة في شعر أبو العتاهية أو ابن

الرومي أو أبو العلاء المعري، يجب أن

تدرك أنهم شعراء في المقام الأول

وليسوا فلاسفة ولا حكماء، لأنهم إن كانوا

كذلك لضيعوا قيمة الشعر الكبرى في

الصياغة اللغوية والموسيقية

والتصويرية والجمالية، فهم يتسمون

بالحكمة والفلسفة لكنهم شعراء وليسوا

فلاسفة أو حكماء.

 

وقد انتبه “صلاح عبد الصبور” في مجال

وظيفة الشعر، إلى أن دور القصيدة هو

أن تصنع غصة في الحلق أو فرحًا؛ فدور

القصيدة إما أن تصنع لمتلقيها الأفراح

وتحفز الناس لمزيد من الإبداع والعمل،

أو أن تملأ المتلقي غضبًا يستقر في شكل

غصة في الحلق (وهي أقصى درجات

الغضب) لأن الإنسان إذا غضب سيرتقي

لا محالة، وسينهض ويسترد حقوقه

المسلوبة، ويواجه سلبيات الحياة

ونواقصها ويحولها لإيجابيات..وفي

الحالتين، هنالك إنجازات ستحقق على

الأرض.

 

ذات صلة

وقد تساءل “طه حسين” هل فائدة الأدب

فورية يجنيها المتلقي من ساعته؟ وقد

كانت إجابته أن الشعر وخاصة في جانب

الحماسة قد يؤدي بصورة فورية إلى

حماس شديد وربما ثورة، وربما دفع

الجبان ليكون شجاعًا، والبخيل ليجود

بأغلى ما يملك، لكن ليست هذه الفائدة

المطلوبة من كل قصيدة، يكفي الشعر أنه

يرتقي بالنفوس ويهذبها، فإذا ارتقى

الشخص أحدث أكبر نهضة في الحياة.

 

فليس من واجب الشاعر أن يقول للناس

بصورة مباشرة في كل قصيدة انهضوا

وتقدموا وغيروا واقعكم إلى الأفضل، لأن

الشاعر متى ما تهذبت نفسه وسمت،

حدثت كل هذه الإيجابيات تلقائيًا، لذا

فهو يرد على من قالوا إن شعراء مصر لم

يدعو المجتمع للنهضة؛ فكانت النهضة

المصرية في غياب قيادة الأدباء.

 

إن فائدة الآداب عامة وأيضا الفنون

الجميلة، ليس بما يقال على الألسنة، لكن

بما يسري من تأثيرها على النفوس،

وتهذيبها للنفس، وصقل وتحفيز الروح

للإبداع.

 

وهنا في جانب قيادة الآداب والفنون

للمجتمع برزت منذ القدم نظريتان

متضادتان بين من هو قائل: (الفن للفن)

ومن هو قائل: (الفن للمجتمع).

فأصحاب نظرية الفن للفن يجردون الفن

من أي ملابسات فكرية أو فلسفية أو

أيديولوجية، وتنشد من الفنِّ الفنَّ فقط

والجمال، ويطلق أصحاب النظرية على

ذلك بأنه تخليص الأدب من النفعية

والغائية.

 

ثم إن هذه النظرية شاعت في الأدب، إذ

ترى أن الأدب يجب أن يتحرر من أي

قيمة يمكن أن يحتويه الكلام إلا قيمة

الجمال، وألا يُنظر فيه إلى معايير خلقية

أو دينية أو قيم نفعية، فمهمة الأدب

نحت الجمال، ورسم الصور والأخيلة

الباهرة، من أجل بعث المتعة والسرور في

النفس، فليست مهمة الأدب أن يخدم

الأخلاق، ولا أن يُسخَّر لقيم الخير أو

المجتمع، إنه هدف في حد ذاته، ليكون

بمثابة واحة خضراء يُستظلُّ بها الناس

من عناء الحياة.

 

وظهر في الجانب المقابل – وهو الاتجاه

الغالب- أن الفن للمجتمع إذ يرى أنصار

هذه المدرسة أن الآداب والفنون ليست

من أجل التسلية بجمال التراكيب والصور

والأخيلة المجنحة، بل يجب أن يكون لها

دور في صياغة المجتمع، وهو قوة ناعمة

تستخدم في التأثير على الفرد والارتقاء

به، وتبصيره بحقوقه في الحياة، وتحثه

على انتزاعها كما رأينا في رأي صلاح عبد

الصبور السابق أعلاه.

 

كما برز في الحديث عن القيمة الفكرية

للنص حديث حول تلخيص القرآن الكريم

ورؤيته للشعر والشعراء وربط الشعر

بالغواية، و لا يتسع المجال لمناقشته هنا

وسنبرز له مقالا خاصًا مع حديث عن

الطبع والصنعة في الشعر وشعر المديح

والتكسب المادي، سنعرض لهذا كله لاحقًا

في مقال نقدي آخر.

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى