أدبي

حديث الصمت

وقت النشر : 2022/05/31 01:06:12 AM

حديث الصمت

بقلم: أسماء أحمد

 

لا أخفي عليكم، أني أحب شهور الصيف،

أيامه ولياليه، فهو يشبهني تماما، وأنا

مثله، هو مني وأنا منه، هو الحياة، الأمل،

الشمس التي تشرق دائما دون غروب،

البحر الذي تغرد على شطآنه الطيور،

الأزهار، العصافير، كل ما هو جميل، ما

هو بديع، حتى تلك الليالي التي أخافها،

أعشقها، فيه بهجة، أضواء، حياة، وإنه

ليخيل إليّ أن قصص الحب تبدأ معه

وتنتهي بزواله.

 

في يوم منه كانت ساطعة هي، تملأ الكون

بشعاعها جلية واضحة، ركبتُ ذلك القطار

الذي اعتدته دوما، لمحت مكانا فارغا

ينادي، ربما هناك شيء ما!

 

أصبحنا ثلاثة أنا، وهو، وهي، ساد الصمت

حولنا فلم نسمع سوى ضجيجه ونشعر

بهزاته، سافرت بخيالي لتلك الحقول من

حولي مخترقة تلك النافذة، أستشعر

جمال الطبيعة وصفاءها، ناداني خيالي

إليهما، سمعت حديثا ليس بكلام، ولكنه

صمت ظاهره الكلمات، وجدته متكئا، يبدو

وسيما واثقا بنفسه، ممسكا جريدته يقلب

فيها، يختلس النظرات إليها ثم يعاود

ورقة بعد الأخرى، يحاول أن يخفي ما ألم

به، يخفي تلك الابتسامة التي ظهرت

خلف ملامحه، ذلك الشعور الذي ارتعد

إليه وارتفع به حد السماء، ولكن هيهات،

إنه لحدث جلي مثلها تماما.

 

ذات صلة

سهم نفذ إليه، أسعده وأسعد الكون من

حوله، أما هي، الرقيقة ذات الوجه

البريء، جميلة ساكنة، شعرت بها

وبأن ذلك الذي نفذ إليه قد تركه وأصابها.

 

أحسست معهما بالسعادة التي نبحث

عنها، قد نجدها صدفة، قد تكون قدرا،

ولكن الحياة بأثرها تخضع له فهو من

نستمر به ونسعد بجانبه ولأجله.

 

رقيقتي قد أصابها من سهام الهوى ما

جعل يديها ترتعدان، عينيها تلمعان، قلبها

ينبض ويخفق بشدة، ولكن قد حان

الوقت لتغادر، وكيف لها أن تغادر ذلك

المكان الذي ولدت فيه من جديد، كيف

تغادره تاركة قلبها معه؟

لقد أسرها بما أحسته تجاهه وأحسه

تجاهها، ضعيفة هي به، لكن ضعفها الآن

لهو القوه ذاتها، تلك التي فتحت أمامها

بابا جديدا للسعادة.

نزلتْ من القطار وهي تحمل بين طيات

قلبها روحا جديدة، فرحة بتلك السعادة

التي تغمرها، ما تشعر به الآن لتعجز عن

وصفه الكلمات، وتحتار في معانيه معاجم

اللغات، أصبح ذلك الذي يسري بداخلها

شفاء لها من كل داء، مخرجا لها من كل

حزن، عوضا لها عن كل ألم، تحيا هي

الآن.

 

مضت بها الأيام آملة في رؤياه، وشوقا

لأن تجمعهما لحظات من الزمان، لم يدر

بخاطرها أن تتحقق أمنيتها سريعا، وأن

يجتمعا بعد وقت قد عز فيه اللقاء وطال،

تصافحت أيديهما، بل روحا وجدت

أنيسها.

شعرت معه بأمان، براحة، بقرب وكأنما

تعرفه منذ سنوات، ولم تلبث أن مرت بهما

لحظات أشبه بالأحلام حتى انتفضت،

اعتذرت تاركة إياه؛ رأفة بقلبها، برقة

مشاعرها، خشية أن تتألم، أن تؤذى في

حبها؛ فهي لا تقوى على ما تقرأ في كتب

القصص والروايات من عذاب الحب

للعشاق، آثرت البعد وتركت أقدارها

للسماء.

 

وماذا عنه؟

لقد مر عليه من الوقت ما جعله يفقد

عقله، يريد أن يراها، يبحث عنها ولا

يجدها، وأخيرا جاءها وفي قلبه ألف

سؤال:

أين ذهبت، لم فعلت بي ذلك؟!

لمَ تركتني للأوهام والأفكار؟

أنت يا فؤادي، يا أملي ورجائي، يا منية

الروح، يا سعادتي وحياتي، سألت عنك

الأحياء، بحثت عنك في وجوه كل النساء،

تهت كثيرا في الطرقات، لم أجد نفسي،

روحي التي تعلقت بك وأبت ألا تعود إلي،

أنت بداخلي، تسرين بعروقي، ألم تشعري

مرارة الفقد بعد اللقاء؟ عذبني حبك،

آلمني بعدك، ردت روحي إلي بلقياك.

 

أعلم مخاوفك، اطمئني لي، ثقي بي، أنت

نفسي، وكيف لي أن أحيا بدون نفسي

وتطيب لي يوما حياة.

 

أدركتْ حينها ألا مكان لشكوكها، ظنها،

خوفها فعشقها له يفوقه آلاف المرات.

ابتسمت فرحا، ونطقت بأعز وأغلى ما

يخبر به إنسان وصل به درجة العشق

والهيام، لم تنطقها بلسانها بل برقة قلبها،

بحنان يدها، بابتسامة وجهها:

– أحببتك قبل أن ألقاك، وتجدد حبي

بلقياك، وسأحيا به ما بقى لي من عمر

وأيام.

 

وفي يوم الزفاف كانت هي أجمل

الأميرات، وأرق الحسناوات، أمسك

بيدها، قبّل جبينها، صعدا من أجل رقصة

الحياة، وعلى صوت النغمات أصبح

للصمت همهمات، كلمات.

 

 

 

 

حديث الصمت
حديث الصمت

زر الذهاب إلى الأعلى