أدبي

لن نعود

وقت النشر : 2022/07/05 04:59:55 PM

لن نعود

بقلم: خالد صبورة

هناك مثل يقول: المال السائب يعلم الناس السرقة.

منذ قرون وعندما كنا صغارا، كنا إذا تعثرنا وسقطنا أمام الناس نسارع إلى النهوض. إذا صدمنا رأسنا بسقف الحافلة نتجاهل الأمر، إذا قام أحدهم برفضنا نتقبل الأمر بابتسامة عريضة. لقد كنا نتظاهر أننا بخير ونستمر كأن شيئا لم يحدث، إلى أن ننعزل عن الآخرين حينها بإمكاننا التأوه والصراخ، حينها نستطيع أن نحزن ونبكي. نشأنا وباعتقادنا أن إظهار الألم ضعف. كبرنا على أن حب الذات أنانية ونرجسية، حتى بتنا نكره أنفسنا وأصبحت ذواتنا في المرتبة الثانية بعد الآخرين. نحن من يجب عليه التضحية والعطاء. نحن الملزمون بالاحتمال ونحن المذنبون، ونَحن من لا يطاق. نحنُ من يهجر ونحن من يلام، نحن من يصفع ونحن من لا ينام.

وتوالت الأيام، نامت الآلام وتراكمت الأوجاع، حتى وجدنا أنفسنا مدفونين تحت ركام النسيان بداخل كهف الانعزال في ركن الوحدة والإهمال، لكن ليس بعد الآن، لقد مات ذلك الإنسان، هذا أنا المخلوق المنبعث من الحطام، لقد سئمت أن أكون الركن الآمن الذي إليه بجراحكم تلجؤون وبعد أن أداويكم تهجرون، لم أعد تلك الغيمة التي من أمطارها ترتوون، لست أنا تلك الشجرة التي اعتدتم بظلالها أن تنعموا، فما فائدة حبيب في محنتي يغيب؟! ما فائدة صديق يختفي وقت الضيق؟! ما فائدة قريب يشعرني أني غريب؟!

لطالما كانت الوحدة أفضل من أُنس موقت، وكان الصمت أفضل من استماع بلا مبالاة، وكان الحزن أفضل من أمل مزيف، لكن الحق يقال، الذنب ليس ذنبهم بل ذنبنا، فما يمنح بالمجان به يستهان، يقال إن المرء لا يعرف قيمة الأشياء إلا بعد فقدانها، وما فائدة معرفة قيمة الشيء بعد فقدانه؟!

لقد كان وجودنا في حياتهم اعتياديا، كقطعة أثاث يعاملونها بالشكل والطريقة التي يريدون، ولأنهم ضمنوا بقاءنا تفننوا في تعذيبنا، وأبدعوا في سحقنا، وتمادوا في إهمالنا، لكن الذي فاتهم هو ما كان يحدث خلف الكواليس، هناك حيث كان الترياق يصنع، هناك حيث كنا نعتاد الكوابيس، هناك صادقنا الوحدة واعتنقنا المعاناة، هناك حيث بزغت ثمرة حب الذات، حيث تعلمنا الحديث مع أنفسنا وإليها أتقنا الإنصات، حيث خِطنا جراحنا ولملمنا الشتات، من هناك خرجنا، لا نقهر، لا نغدر، ولا نهجر، خرجنا من معركة لا نحسد عليها، ربما لم نخرج منتصرين لكن على الأقل خرجنا ونحن لذواتنا عارفون، ربما خرجنا بخسائر كبيرة لكننا واثقون من أننا لسابق عهدنا لن نعود، خرجنا قادة وليس تحت أقدامهم جنود.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى