أدبي

شبح العنوسة

وقت النشر : 2022/08/01 11:59:05 AM

شبح العنوسة

بقلم: مصطفى نصر

كانت تصر على أنها لن تتزوج أبداً لوقف (الزن) من أفراد الأسرة الذين يحذرونها ليل نهار من بداية دخولها إلى مرحلة العنوسة. كانت تلجأ إليَّ أنا خالها وصديقها المقرب إليها. تشكو لي من أنها أصبحت المانشيت الرئيسي على لسان جميع أفراد الأسرة. لا حديث لهم سبعة أيام في الأسبوع سوى عن ضرورة أن أتزوج بصورة عاجلة، حتى أخرج من الزمن المحتسب بدلا من الضائع قبل العنوسة وطي صفحة الحظ في الزواج إلى الأبد.

كنت معها قلباً وقالباً في وجهة نظرها السديدة بضرورة أن تصمد حتى الرمق الأخير، وألا تتزوج أبدًا أول الطارقين لبابها هروبًا من هذه (النقة) التي تهددها بشبح العنوسة!

كنت أحدثها عن أن المحاكم الشرعية مكدسة بقضايا طلاق. بعضها لم يتجاوز فيه عمر الزيجة شهرًا واحداً، لفتيات قبلن بأول طارق على بابهن هربا من شبح العنوسة. أقدمن على زيجات من غير رابط عاطفي مع الطرف الآخر، ودون حتى تمهل للتعرف بصورة دقيقة عليه وعلى طباعه. وهل هنالك عناصر التقاء بينهما، لذا تفاجأ الطرفان (بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة) أنهما لا يناسبان بعضهما، وأوفرهم حظاً هم من لم ينجبوا أطفالًا بعد، لأن الطلاق بعد الإنجاب سيكون جرما أكبر في حق الأطفال.

كنت أدعوها لأن لا تتعجل أبدًا، ولا توافق إلا على من يختاره قلبها بدون ضغوط ولا تعجل استجابة للمثل الغبي الذي خرب كثيراً من البيوت، والقائل: (ضل راجل ولا ضل بيت) كنت أقول لها:

-إن كل ما يتعلق بمن تتزوج ومتى وكم من العيال ستنجب أو تكتشف أنك عقيم لا تنجب. هذا أمر قدره الله لك منذ الأزل في كتاب الغيب. كنت أحكي لها أن رب العزة والجلال نقل قدم شقيقي أحمد من قارة أفريقيا إلى أمريكا تيسرت له دون مشقة. لأنه سبحانه وتعالى قد كتب في لوحه المحفوظ أن يذهب أحمد إلى هناك ليلتقي بنصفه الآخر (سابرينا) المجرية المهاجرة إلى أمريكا منذ طفولتها. وكذلك لأن المكتوب لها في كتاب الغيب هو نطف محددة ينجبانها من هذه الزيجة التي قدر الله منذ الأزل ان تكون بين أفريقي وأوربية يلتقيان في بلد ثالث هو أمريكا.

كانت أمها في حالة عدم توافق معي أنا شقيقها الأكبر، لأنها كانت تعتقد أني المحرض لابنتها على عدم الزواج. وأنني بدلا من أن أستغل ثقتها العمياء فيَّ لأوجهها لمصلحتها بالزواج من أول طارق. أُعبِّئ عقلها بأفكار لا طعم لها مثل الحب والغرام وأنا في هذه السن التي من المفترض أن أكون أبعد الناس من الحديث عن الحب والغرام.

كنت أسأل أختي التي يعلم الله وحده كم أحبها وأجلها وأتمنى لأبنائها وبناتها كل الخير:

-هل يسرك أن تزوجي ابنتك لرجل يعيدها لك مرة أخرى مطلقة؟

كانت تقول لي:

– لماذا لا تكن أفكارك إيجابية وتتوقع لها حياة طيبة هانئة وحياة زوجية سعيدة؟

كنت أقول لها:

– ألا ترين أن المحاكم مليئة بمشاكل الطلاق؟ وأن نجاح الزيجات أصبح هو الاستثناء بعد أن كان هو القاعدة؟!

تمر الأيام بطيئة مملة على بنت أختي تصبح وتمسي على نفس هذه الأسطوانة التي أصبحت مشروخة من كثرة الاستخدام. إلى أن عدت ذات مرة إلى المنزل متأخرًا فوجدتها في انتظاري منذ عدة ساعات لتزف لي النبأ السعيد بأنها قد وجدت نصفها الآخر الذي دق له قلبها. سألتها عن اسم أسرته فوجدت أنه ابن زميل دراسة لي بالمرحلة الثانوية. ويمض شهران على هذه البشريات حتى أكملنا زفافهما المأمون من أسرة محترمة وطيبة أعرف أعضاءها فردا فردا.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى