أدبي

لستُ عاهرة

وقت النشر : 2022/09/22 12:49:34 AM

[contact-form][contact-field label=”الاسم” type=”name” required=”true” /][contact-field label=”البريد الإلكتروني” type=”email” required=”true” /][contact-field label=”الموقع” type=”url” /][contact-field label=”رسالة” type=”textarea” /][/contact-form]

 

لستُ عاهرة

بقلم: شيماء محمد الجمل

_كل عام وأنتِ بخير
رفعت رأسها إليه، ثبتت نظراتها عليه، أرادت قراءة عينيه، ربما تعلم لماذا يأتيها فجأة بدعوى الحب، بعد أن قتلها بكلماته وأفعاله، لم تنس هيئته عندما وقف أمامها يلوم رجعيتها وجهلها بأمور النساء. لم يعنيه تأنقها، لم يشتم عطرها أو يحاول رؤية لهفتها واحتياجها إليه، أرادها برؤية أخرى.

طلب منها أن تتلبس ثوب أحد عاهراته. لم يجنب نفسه الألم، قارن بينها وبين من تشاركه ليلة. أرادها صورة ممن تمنحه العار ويخسر برفقتها شرفه واحترامه لنفسه. لم تفهم إصراره هل أراد وصمها أم أراد أن يراها على شاكلة كل من عرفهن ليكتفي بها عنهن!.

فكرت أن تستجيب. تستطيع ارتداء ثيابهن. ستحاول أن تكون نسخة عرجاء منهن.
فعلت كل شئ ماعدا احتساء ذلك المشروب الكريه. كيف فكر أن يجبرها على فعل ذلك _احتفالات بداية السنة _ مالها وهذا المصطلح هل هو تصريح مقنع بفعل كل شيء وأي شيء؟!.

امتعضت واعترضت ورفضت بشدة:
_هنا تنتهي حدودي. لن أدنس فمي بهذا الهراء ولن تقترب مني إذا فعلت.
أفق، أنا الحلال الخالص في حياتك احتفظ بي كما أنا. اجعلني ماءك الطهور الذي تغتسل به من أدران خطاياك.
=متحجرة
_ليس تحجرا بل طهارة لست مثلهن.
=ينقصك الكثير لترضيني كما يفعلن.

لم تجد كلمات مناسبة لترد. تسمرت مكانها. فتركها وذهب ليقيم طقوس ليلته منفردا. فما كان منها سوى الاستسلام لحسرتها، تجرعتها بكل ما أوتيت من وجع. مكثت برفقتها فترة لا تعلم مداها، قاطعها عندما دفع باب غرفتهما بهمجية الغائب عن وعيه. كانت مصرة ألا يقترب منها وهو بتلك الحالة، لكنه لم يأبه بذلك.

لم يفق إلا عند رؤية دماءها بعد أن سقطت بثقلها أمامه. صفع نفسه العديد من الصفعات المتتالية؛ ليذهب عن عقله السكر المتربص به. حملها وذهب بها لأقرب مشفى، تركها ورحل بعد أن دفع مبلغا في الاستقبال. كانت كالمنبوذة؛ ملابسها والتوقيت التي أتت به وتركه لها، أظهرها أمام الجميع كفتاة ليل وقعت تحت وطأة ذئب سادي، فعل بها الأفاعيل ثم تركها كخرقة بالية، لتنال منها أقاويل الملائكة المختارين الذين لم تدنسهم الحياة، فأصبحو آلهة لايخطئون. لم يدركوا أن جلدهم لها ولغيرها بسياط ألسنتهم، هو أعظم خطيئة.

ليلة كاملة من الألم والهمسات، حتى الطبيب لم يكن متعاطفا معها ولولا المال الذي ترك على حساب علاجها لألقاها خارج المشفى، لتعود من حيث أتت.

انجلى الليل الثقيل وحل محله صباح مشرق، لا يرى إشراقته سوى السعداء. أتى ومعه بعض الثياب ليصطحبها بعد الاطمئنان عليها.
لم تكن بخير، حتى بعد خضوعها للعلاج وتأكيد الطبيب أن إصابتها بسيطه، جرح صغير في الرأس وشرخ في الذراع سيلتئم قريبا. لم يذكر جروح قلبها أو روحها.

سارت أمام الجميع برأس مرفوع انتقاما لكرامة سحقت بالأمس. فقد تأكدوا جميعا أنها زوجة وما كان مجرد حادث لا أكثر.
اتخذت الصمت سبيلا واستجاب لها. مرت ليلة أخرى و مازالت صامتة ساكنة بلا حراك في فراشها. عزفت عن الطعام والدواء وكل ماله علاقة باستمرار الحياة. اضطر لترك أولاده عند جدتهم محاولا إصلاح الأمر بعيدا عنهم.

-كل عام وانتِ بخير.
أشهر علبة ملفوفة بعناية في وجهها. قدمها لها لكنها لم تتناولها. تركها جانبا، وضع يده في جيبه مخرجًا هاتفه، أعطاها إياه، تعجبت من فعله فأخرجت صوتا ضعيفا تستفسر به:
=ما هذا؟
_هاتفي .. خذيه وانهِ الأمر. احذفي كل ما يغضبك عليه، نظفيه بنفسك لتطمئني. أعينيني على توبة نصوح. كوني نجاتي وأعدك ألا اعود.

أطرقت برأسها وارتسمت على شفتيها ابتسامة لم تستطع إخفاءها أو إيقاف اتساعها. أخذت تنمو حتى أصبحت ضحكة، أخذت ترتفع وترتفع، ملأت الأجواء، خرجت مشوبة ببكاء موجع.

تأملها بثبات. حاول إحاطتها بذراعيه فدفعته بعيدا. مسحت وجهها بانفعال، هدأت من روعها لتقول بثبات:
– لم أعد أتذكر عدد المرات التي طلبت فيها مني مسامحتك.
تريد عوني لتتوب! أنا أيضا أريد عونك لأتوب!.
لاتتعجب. حاولت أن أفعل مثلك فكرت أن أجرب متعة السقوط. أعترف بفشلي، شعرت بالتقزز لكني حاولت.
ماذا قلت هل ستعاونني؟!

تنهد بنفاذ صبر، أردف بعدها:
=تكذبين أعلم ذلك.
_لا أكذب .. ثُر لرجولتك حررني، تب بعيدا عني.
استقام واقفا، اتجه نحو خزانتها، أخرج بعض الأغراض واتجه نحوها، وضعهم أمامها قائلا بثبات:
=كفي عن الهذيان.. ارتدي حجابك. أقيمي صلاتك واذكري الله كثيرا لتهدأي.

ابتعد متجها نحو الباب كاد أن يغادر لكنه استدار ناظرا نحوها قائلا على سبيل التحذير:
=أنت زوجتي وهذا واقع عليك أن تقبليه. سأحررك في حالة واحدة.. عندما أسوقك لمثواكِ الأخير.

لم تعد للكلمات معنى. كانت تهذي بالفعل، ولكنها عرفت سبيل خلاصها الوحيد الآن ولديها حرية الاختيار.

أقامت صلاتها ورددت أذكارها. تناولت بعدها الهاتف. كونت رقم والدته، اعتذرت عن إزعاجها في هذا الوقت قبل أن تطلب منها الاعتناء بأحفادها.

لستُ عاهرة بقلم: شيماء أحمد الجمل
لستُ عاهرة بقلم: شيماء أحمد الجمل

ذات صلة
زر الذهاب إلى الأعلى