أدبي

ثقب أسود

وقت النشر : 2022/11/19 02:22:57 PM

ثقب أسود

بقلم: عزت أباظة

 

يبلعني الثقب الأسود

لا أرى إلا كثافة مظلمة

من حولي صمت يؤلم أذني

لا شيء معي، لا شيء حولي

أقف عاريا بذاتي متجردا من كل شيء

تنعقد محكمة بلا قضاة، ولا محلفين، ولا شهود

تظهر جريمتي ناصعة البياض وسط السواد الحالك، جريمتي أني مازلت على قيد الحياة!

ثم أنتظر كيف تتمخض تلك المحاكمة الظالمة؟

أحدق من حولي فلا أرى إلا السواد الحالك، أنتبه لنفسي فإذا أنا معلق في الهواء وأطفو دون جهد، يخاطبني صوت غامض عميق غير منطوق، يقول الصوت:

-وأي فائدة ترتجى منك؟

-قلت: أحاول قدر طاقتي أن أكون لطيفا.

سكت عني لكن لا يعنيني، لقد صدقته القول.

ثم أسمع وقع خطوات ورائحة تبغ ونسيم جميل لعطور من مختلف الأصناف، وبلا صور أرى كثيرا من البشر عرفتهم وأعرفهم وسأعرفهم، كثيرون منهم نظروا لي بمودة خالصة.

عاد الصوت الغامض العميق من جديد قال الصوت: -هلموا أستفتيكم فيه فأفتوني.

قالوا:

-نعم هو لطيف.

لكن اختلفوا في تحديد النسبة بين لطيف فقط ولطيف جدا ولطيف للغاية.

خاطبني الصوت:

– أنت محظوظ ولعلهم يكملون نقصك ويملأون ما فرغ منك.

بادر أصحابي لإكمال نقصي فاطمأنت لهم روحي، قاموا بتضميد جراحي وتدعيم هشاشتي، قاموا بستري وحفظ سري وعهدي.

حين انتهى الأمر لم أعد عاريا حافيا؛ وجدتني أرتدي ملابس فاخرة وتفوح مني رائحة تسر القلب، وقد تلاشى الثقب الأسود!

واختفى الصوت، ووجدتني في قلب الدائرة، وحولي أصحابي وقد تحولوا في نظري إلى قلوب تنبض بالوفاء.

هؤلاء أحبتي، الذين أكملوا نقصي، وجملوا قبحي، وصانوني حين لمسوا تفريطي، ونجوت بفضلهم من الثقب الأسود.

أنا بهؤلاء الأعزاء في أمان من الخوف، أنا بهم غني بعد فقر، وسعيد بعد حزن.

 

 

ثقب أسود
ثقب أسود

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى