هي فن الاختصار والإيجاز والتكثيف، وقد برزت منذ القدم في كثير من النصوص كالقرآن الكريم والحديث الشريف والحكم والأمثال، فمن أبرع الومضات التي وردت في القرآن الكريم:
ومن الأمثال الموجزة “سبق السيف العزل”، “قطعت جهيزة قول كل خطيب”، وغيرها…
أما في العصر الحديث فقد تطور فن الومضة في السبعينيات والثمانينيات كنوع أدبي قائم بذاته، على نحو ما يوضح يوسف الخال وهو يختزل بكلّ بساطة سبب ظهور شعر الومضة “نحن نجدّد في الشعر لأنّ الحياة بدأت تتجدّد فينا”.
القافية التقليدية ماتت والوزن الخليلي الرتيب مات بفعل تغيّر نسق الحياة، وكما أبدع الشاعر الجاهلي شكله الشعري للتعبير عن حياته علينا كذلك أن نبدع شكلًا جديدًا للتعبير عن حياتنا.
فلقد أوعز ظهورها إلى الرغبة في التجديد، وإيجاد صيغ تعبيرية جديدة تبدو أنسب للتعبير عن نسق العصر وتدفعنا إلى الانفتاح على الآداب العالميّة والنّهل منها.
ونحن اليوم أمام شكلٍ شعريّ يسمّى بـ”الومضة” وهي وسيلة من وسائل التجديد الشعري، أو شكل من أشكال الحداثة التي تحاول مجاراة العصر الحديث، معبّرة عن هموم الشاعر وآلامه، وهي مناسبة في شكلها مع مبدأ الاقتصاد الذي يحكم حياة العصر الذي لم يعد يسمح بنظم القصائد الطوال، وقد راجت قصيدة الومضة في السبعينيات من القرن العشرين وباتت تستقلّ بنفسها حتى أصبحت شكلًا شعريًّا خاصًّا “1”.
* مامعنى ومضة؟
مادة ومض كما جاءت في لسان العرب:
ومَضَ البرْقُ وغيره يَمِضُ ومْضًا ووَمِيضًا ووَمَضانًا وتوْماضًا، أي لَمَعَ لمْعًا خفسًّا ولم يَعْتَرِضْ في نَواحي الغيم، والومض والوَمِيضُ من لَمَعانِ البرْقِ وكلِّ شيء صافي اللوْنِ، قال:
وقد يكون الوَمِيضُ للنار، وتومض البرقُ إِيماضًا كوَمَضَ، فأَما إِذا لَمع البرقُ إِماضةً ضعيفة ثم يَخفى ثم يُومِض، وليس في هذا يأْسٌ من مطر قد يكون، وقد لا يكون.
وأَوْمَضَ: لمع، وأَوْمَضَ له بعينه: أَوْمأَ. وفي الحديث: هَلاَّ أَومَضْتَ إِليَّ يا رسول اللّه أَي هلاَّ أَشَرْتَ إِليَّ، أي إشارة خفيَّة، وأَوْمَضَت المرأَةُ: سارقَتِ النظَر. ويقال: أَوْمَضَتْه فلانة بعينها إِذا برَقت.”2″
أما مصطلح الومضة عند نقاد الأدب:
فهو نص قصير والومضة الأدبية تقوم على الإيجاز المفرط في التعبير، والتكثيف الشديد للرمزية، مما تطلب اللجوء إلى الإيحاء، بل وإلى الإفراط في توظيف الغموض، حيث يبدو أن أسلوب السرد، والنظم الطويل، لم يعد قادرًا على مواكبة سرعة إيقاعات التطور الحاصل في أغلب مجالات الحياة.”3″
وقد وصفت بأنها فن الاقتصاد في اللغة.”4″
وقد تباينت آراء النقاد في جنسها الأدبي بين من يرون أنها ابنة القصة القصيرة جدًا، لأنها تتشابه معها في الإيجاز وإلتكثيف، والسمات والعناصر والخصائص، وبين من يرى أنها جنس أدبي قائم بذاته يدخل في مجال ما يسمى بـ “الخاطرة“، وهي بذلك جنس أدبي جديد قد يقترب من القصة لكنه كيان قائم بذاته.
وهناك من يسميها “المكروقصة” أي أنها أقصر من القصة القصيرة جدًا، سوى أنها ليست جنسًا نثريًا دائمًا؛ إذ أن هناك ومضة شعرية أيضاً راجت في السبعينات من القرن العشرين وباتت تستقلّ بنفسها حتّي أصبحت شكلًا شعريًّا خاصًّا.
من أهم العوامل التي لعبت دورًا هامًا في نشأتها هي التحول الفكريّ والفنيّ ومتطلبات الحياة الجديدة والمؤثرات الأجنبية. وقد كان لعزالدين المناصرة السبق في تأسيس هذا النمط الشعريّ، ومن روّادها بعده، أحمد مطر، مظفر النواب.
وقال فريق ثالث أن فن الومضة لن يلبث كثيرًا حتى يكون شكلًا فنيًا قائمًا بذاته له سماته وخصائصه الفنية خلال السنوات القريبة القادمة، وسيحدد له جنسًا له خصائصه الخاصة.”6″
ويرى النقاد أن الومضة نص قصير ولكنه ليس سهلًا.”7″
الومضة صعبة جدًا جدًا جدًا، و ليس من السهل كتابتها أبدًا، و حتى كتابها المعتمدون تختلف درجة الإجادة عندهم من ومضة إلى أخرى، لأنها أقرب إلى الإلهامات، و ليس كل التجلى على نفس الدرجة من النورانية.
و لابد لكاتب الومضة من إجادته لأمور كثيرة جدًا، و بتعمق شديد، كالفلسفة و الشعر و التصوف، و ربما لم يتحقق هذا إلى الآن إلا فى بعض ومضات قليلة للغاية، علىَّ أن أجمع نصف العالم فى قبضة يد، ثم أضغطه لأقبض عليه بإصبع واحد فقط.. فمن يجرؤ؟ _ من يفعل بحق، و أكرر بحق _ سينضم لأقطاب الصوفية.
* من شروط الومضة: “8”
– الشكل المصبوب والمحدودية في بعض الأصناف.
– التكثيف الدلالي حتي التناهي في الصغر؛ حيث لا يمكن اختصار كلمة أو حرف منها.
– الإيحاء: وهو تلميحة سريعة عميقة ترمز إلى المعنى المقصود.
– المفارقة: وهي اللعب على التناقض لخلق الدهشة الهادفة.
– المغزى والهدف وهو ما يحقق المعنى المراد والجديد.