أدبي

قراءة فنية حول فن الومضة “الجزء 2”

بنية الومضة الشعرية 

وقت النشر : 2023/06/07 01:26:55 AM

قراءة فنية حول فن الومضة “الجزء 2”

بنية الومضة الشعرية 

 

 

بقلم: مصطفى نصر 

من خلال التمهيد في المقال السابق نستطيع أن نلخص خصائص الومضة الأدبية في:

أولًا: قصر الحجم..

يتراوح عدد الكلمات في الومضة بين سبع كلمات وثلاث عشرة كلمة، وهو أمر ينسجم انسجامًا تامًا مع الدعوة إلى حصر عدد كلمات الومضة بين ثلاث كلمات وإحدى وعشرين كلمة.

بتعبير آخر.. جاءت الومضات التي سأذكرها لك كأمثلة لتراعي شرط الإيجاز، لكن هل راعت الشروط الأخرى التي لا مناص من توافرها لكي تكتمل شعريّة الومضة؟

يقول أدونيس: “1”

وكتبتُكِ في اللهجات، وفي الطُّرقات، وكل فضاءٍ حتّى أغرَتني كلماتي أن أمحو نَفْسي..

ثانيًا: كثافة الأجزاء..

في هذه الومضة تتجه بوصلة الشعر نحو فضاء رحب تلونه الكلمات بمعاني تفوق الوصف تتفوق الرؤيا لديه على أي قراءة لتكون حالة وجدانية خلاقة وانبهار بما خطت يده وحلقت.”2″

وهو مع قصر كلمات الومضة لجأ إلى الكلمة الدالة حيث استفاد استفادة كبيرة من التضاد بين الكتابة والمحو، حيث يشير ماوراء كلماته إلى دلالة صوفية هي فناء العاشق في المعشوق، فما زالت صورتك توضح وصورتي تبهت وتنمحي حتى أصبحنا أنا وأنت شيئًا واحداً نتيجة إغراء الكلمات، الذي يدل على أن للكلمة سلطانها وفعلها.

وهاهو محمود درويش يقدم لنا ومضة شعرية صادقة، ومضة لم تتعد ثمانِ كلمات فقط حيث يقول:

خبئي الدمع للعيد فلن نبكي سوى من فرح.”3″

وهنا أيضا مع الكلمات الموجزة التي لم تتعد ثمان كلمات.. يستفيد الشاعر من التضاد بين الدموع والفرح والعيد والبكاء ليصنع جدلية رائعة تحاول أن تربط دموعهم مع حالة الفرح، وليس الأحزان كما يتبادر للأذهان، لذا يناشد محبوبته بأن تدخر كل الدموع لرمز الفرح وهو يوم العيد، ليصيبنا بهزة المفاجأة من أننا نرى دموع الفرح بالعيد ممتزجة بدموع الفرح بالنصر المؤزر للقضية.

ويحدثنا بدر شاكر السياب في ومضة شعرية رائعة

قصيدته “الباب تقرعه الرياح”  “4”

هي روحُ أمي هزّها الحب العميق حبّ الأمومةِ فهي تبكي آه يا ولدي البعيد عن الديارْ.

حيث مع الكلمات. الموجزة يتقمص الشاعر روح أمه الراحلة تخرج من قريته”جيكور” لتصل إلى ذلك المستشفى الباريسي الأنيق لمواساة ابنها في محنته وهو مريض وبعيد عن أرض الوطن تحدثه بروح الأمومة “آه يا ولدي الغريب من الديار”

ثالثًا: ما وراء الكلمة..

وهنا تتحدث الناقدة عن أن الحديث عن الومضة، أو التوقيعة هو حديث عن النزعة البلاغية الشعرية، وعن تقنية الانزياح، والإيحاء، والتكثيف اللوني، واستنطاق رموز الطبيعة وصورها.”5″

رابعًا: النزعة البلاغية التصويرية..

وقد جنح الشعر العربي الحديث نحو القصيدة القصيرة، ونحو التكثيف والتركيز، فقد غدت القصيدة تعبيرًا عن لحظة انفعالية محددة، وأضحت هذه القصيدة شديدة الشبه بفن التوقيع؛ لتكثيفها، وإيجازها.

ولعل أهم أسباب الانتقال إلى القصيدة الومضة أو التوقيعة انتقال الشعر من المباشرة والخطابية إلى الإيحاء، أو الانتقال من الشعر الذي يُلقى أمام متلقين في مهرجانات شعرية لغاية التوعية، والتنوير، إلى الدعوة إلى قصيدة تقرأ في جو خاص.

وقد شهد عصرنا تواترًا في الأحداث الساخنة التي لم تعد تسمح بنظم القصائد الطوال، الأمر الذي أدى إلى وجود سمة الانفعالية والتعبير المقتضب والموحي، فظهرت قصيدة الومضة وهي ذات مجموعة من التوقيعات النفسية المؤتلفة في صورة كلية واحدة، وهو أمر يعني أن للصورة أهمية استثنائية في قصيدة التوقيعة.

………………………….

المصادر..

1- أدونيس – الأعمال الكاملة – ط الخامسة – دار العودة – بيروت 1985.

2- د. رجاء أبو علي – الأسطورة في شعر أدونيس طبعة التكوين للطباعة والنشر 1999.

3- محمود درويش- – حبيبتي تنهض من نومها- ط دار العودة بيروت- 1970.

4- بدر شاكر السياب – الاعمال الكاملة – دار العودة بيروت 1989.

5-  سمر الدبدوب – القصيدة الومضة – موقع ديوان العرب بتاريخ 31 يوليو 2017.

للمزيد

* قراءة فنية حول فن الومضة “الجزء1” هنا

زر الذهاب إلى الأعلى