أدبيمقالات متنوعة

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة الثامنة عشر

وقت النشر : 2024/01/16 08:27:46 PM

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة الثامنة عشر

بقلم: الكاتب الروائي حسن العربي

كانت إحدى هواياتها حل الكلمات المتقاطعة لقوة ذاكرتها وثقافتها، وكانت هي من يقوم بحسابات المنزل والمصاريف، وقد لاحظت مع الوقت أنها لم تعد قادرة على حل هذه الكلمات مثلما كانت تفعل، والأغرب أنها اكتشفت أنها ترى الأرقام خطأ، ولكنها كانت تحاول أن تخفي كل هذا عمن حولها خاصةً البنات.

كما أنها بدأت تواظب على جلساتها مع الطبيب النفسي، والذي كان في كل مرة يخرج مستفيدًا من دروسها له!

أخذت وتيرة الحياة تنتظم دورتها نوعًا ما، وبدأ الجميع يتعامل مع الموقف على قدر حكمته وقدرته الشخصية، والملاحظ أن ليلى لم تكن تخجل من أي من المواقف التي تحدث لها بسبب المرض، بل كانت تقابلها برضاء تام وكثرة الدعاء، على خلاف كثير ممن هم فى مثل حالتها. كل ما كان يشغل بالها هو كمال والبنات، و كيف ستدور بهم الأيام بعدها.

لم تنخفض وتيرة الهمسات والنظرات المقصودة وغير المقصودة بين كمال وآمال، خاصة وأنه كان يميل إليها حتى قبل أن يراها بقميصها، وتطور الأمر وبدأ كل منهما يشعر بدقات قلب الآخر كلما تقابلا، وبدأ كمال يسعى حثيثًا لينفرد بآمال حتى أنه انتهز فرصة وجودهما فى خلوة للحظات، وإذا به يقترب وينحني ويقول لها بصوت رقيق:

آمال هل تتزوجيني؟!

دخلت الكلمة تشق طريقها من الأذن إلى صميم القلب مباشرةً، وبدأ القلب يدق طبول الفرح، ولكن بإيقاع  تشتم فيه رائحة الحزن، وكأنك تستمع إلى نجاة الصغيرة، وهي تعبر بصوتها الرقيق عن هذه اللحظة  وتغرد وتشدو.

شاوروا لي بإيديهم وقالوا لي عقبالك، هللت من الفرحة، ثم تكرر، هللت من الفرحة، ولكن صوتها وكيانها ينحني إلى الحزن؛ فالموقف هو أن حبيبها تزوج غيرها.

يالها من مفارقة قاسية؛ فقد كانت تتمنى آمال أن تسمع هذه الكلمة من سنوات طويلة ممن تميل إليه، ولكنها تأتي الآن وفي هذه الظروف، مزيجًا من الفرح والحزن اختلطا معًا بدقة عجيبة، حتى تَتسمر هي في مقعدها ولا تدري حتى ماذا تفعل أو ماذا تقول، ثم بدأت تنسحب بهدوء دون أن تنظر إليه أو ترد على سؤاله الهامس.

كنت أعرف جيدًا أنها لن تفوت هذه الفرصة كي توبخني فى حفل جلدها اليومي لي بسبب وبدون سبب، ورغم مشاعر السعادة التي غمرتني للحظات، ورغم وضوح الحيرة على وجهي بادرتني: 

ما تراك فاعلة؟

الزواج من حقي مثلي مثل غيري، ولا تتدخلي في حياتي الخاصة؟ ألا يستهويك شئمما أقوم به أبدًا؟ فأنا لم أرتكب خطيئة ولا عمل إجرامي؟ أباح له الشرع أربعًا، ما هو الذي لا يروقك فيما أفعل؟

قولي أنت؟

ماذا أقول نعم إنه شرع الله أربع زوجات. 

هذا صحيح، لكن هل هذا هو الوقت المناسب في نظرك؟ فكري!

اشرحي لي ما هو مناسب هل أنتظر حتى أبلغ المئة عام؟!هل هذا هو الوقت المناسب، ربنا رزقني به الآن، لا أفهمك ولا أفهم لما تقفين في طريقي عند كل منعطف.

فكري بعقلك ودعي قلبك جانبًا، يبدو أنه يجوب ويحلق فى الآفاق!

ما بالهما قلبي وعقلي؟! ألم تكوني موافقة على منصور وتُحثينني على الزواج منه، وأنت تعرفين جيدًا أنني أحترمه لكنني لا أحبه، ألم يكن متزوجًا هو الآخر ولديه أولاد، كُنت سأصبح زوجة ثانية له هو الآخر، لا فرق إذن.

من المؤكد أنني أعرف جيدًا أنه شرعًا من حقه، ولهذا لم أر في الموضوع خطأ، لكن لكمال يا حبيبتي ظروف مختلفة تمامًا، وأنت تعلمين ذلك جيدًا ولا أعتقد أن ضميرك سيقبل هذا!

أنا أحبه وهو يحبني، ومنذ دخلت بيته ونحن نقاوم ما اجتاح قلبينا، وبصراحة أنا أريده، وها هو يصرح بأنه أيضًا يريدني بطلبه الزواج مني، أليس الزواج أفضل من أن نقع في المحظور؟ لكنك دائما تحبين تعقيد الأمور.

تعلمين جيدًا أن الوقت غير مناسب وليلىٰ مريضة ومرضها خطير تحتاج إلى من يقف معها ويساعدها ويسعدها، وربما لو اكتشفت هذا تقول أنكما خنتما الأمانة وانتهزتُما فرصة مرضها وغيره من الكلام الذي لن يروق لك. بل إن المجتمع من حولكما سيقول نفس الشئ.

أنت، المجتمع، عن أي مجتمع تتحدثين؟! أين هو هذا المجتمع مني وقد وصلت إلى هذه السن وحيدة وأية أنانية هذه التي تعيش فيها المرأة عندما تتزوج، وتقترب إحداهن من زوجها يصبح خائنًا، وكل اللعنات تنصب عليه هو وزوجته الثانية، أما إذا طُلقت وصارت وحيدة ولا يرضى بها إلا المتزوجون، هنا نعم للزوجة الثانية.

وفى هذه الحالة ترضى المرأة أن تكون الزوجة الثانية عن طيب خاطر، بل و تفرح أيضًا، ما هذا العبث؟!

أنت حرة وتعلمين جيدًا أنني لا أناقش أصل الموضوع وشرعيته، فهذا شرع الله لا جدال فيه، لكنني أتحدث عن مرض ليلى وأنت تفهمين ذلك جيدًا، حتى أنك لم تردي على همسته هذه. 

وقبل أن تتهوري احسبي حساباتك جيدًا!

انسحبت بهدوء من أمامها؛ فأنا أعرف إنها تهزمني دائمًا لأنها ترى الأمور بوضوح أكثر.

مرت بي ساعات الليل كله ولم أنم للحظة، وأنا أفكر في الحدث والحديث الهامس ومع أذان الفجر وإشراقة يوم جديد قمت توضأت وصليت واستخرت الله فيما هو قادم، وتبت إليه وأكثرت الدعاء والاستغفار، ثم اتخذت قراري النهائي، وهو أن أُداري حبي وأقف بجوار ليلى والبنات وكمال أيضًا.

قررت أن أكون ظلًا لليلي أتابعها فى كل لحظة، وأقف بجوارها حتى ولو كان هذا على حساب حبي وقلبي، وحتى لو كانت نتيجته الموت وحيدة، كما أنا طيلة ما مضى من عمري. 

كما أنني متأكدة من أن كمال سوف يعذرني، وربما يريحه قراري أيضًا.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى