أدبيمقالات متنوعة

ورقة التوت الأخيرة

وقت النشر : 2024/01/23 09:21:58 PM

ورقة التوت الأخيرة

بقلم: هبة محمد زغلول

بدأ كل شئ أو بالأحرى انتهي كل في نهايات هذا العام ..عندما حدث ذلك الأمر الذي ادعوه بالابتلاءِ العظيم ..
كنت أعلم في قرارة نفسي أن لطف الله وعنايته الإلهية قد ترفقت بنا وأن الحادث العابر ما هو سوى أمر صغير أمام ذلك المجهول الذي لم يقدره الله لنا بعنايته ورحمته وكنت أعلمه وأراهُ مروعًا ووشيكًا.

كنت أتظاهر بالثبات الشديد وأدعي الحكمة والمثالية بشكل مبالغ فيه وأحاول أن أجمع زمام نفسي وكل من حولي مع محاولة أن لا يفلت الأمر من يدي أبدًا.

ولكن لم يكن هذا ما حدث .. لم أستطع الصمود طويلًا مع هذا الإدعاء.
سقطت في بئرٍ سحيق من الخوف والعزلة والعزوف عن كل شئ وعدم اليقين بأي شئ وبكل شئ، تلتها حالة من الإستغراق في الصمت والتأمل لحال كي شئ.

فجأة _كما كنت أظن_ بدا لي كل شئ جليًا فقد سقطت ورقة التوت الأخيرة عن الجميع.
كنت أشعر بالسخط وبالغضب الشديد من كل شئ وعلى الجميع، حتى أكثر الأشخاص قربًا وبراءة ورأفة بي، الكل مذنب .. فأنا ألقي باللوم علي الجميع وبالأخص كنت أشعر بالسخط واللوم على نفسي كنت أراها ضعيفة مهزوزة متهاونة متراخية..
كنت أبكي على كل الأطلال.. وأنبشُ بقسوة في كل الدفاتر القديمة، أبحثُ عن كل خطأ هم أوقعوه أو أوقعته أنا بحق نفسي..
تجردت نظرتي لي ولهم من كل ما يمكن أن يجمل العلاقات الإنسانية أو يضفي عليها مظهرًا متماسكًا من الود، كانت نظرتي لهم خالية تمامًا من التعاطف والتسامح والتغاضي والتغافل أحيانًا .

أفلت تماما فكرة التماس الأعذار .. أعدتُ نظرتي لكل شئ أنه يجب أن يكون صحيحًا ودقيقًا وفقًا لمعطيات محددة وكل ما يخرج عن هذا النسق فهو أمرٌ سئ وغير مقبول.

كنت أعاقب الجميع بالصمت والعزوف، وكنت أعاقب نفسي بالتخلي ..
نعم بالتخلي عن كل ما أحببته وتعلقت به يومًا .. صرت أبتعد عن أصدقائي وأحلامي وهواياتي.. صرت أحطم كل ما سعيت لأجله طيلة أعوام طويلة .. حتى من أحبهم كنت أتخلى عنهم عاطفيًا واحدًا تلو الآخر .. كان الجميع بوجهة نظري قبيح وأناني وقاسي، كنت أعيشُ بحالةٍ من التطرف العاطفي، تجردت مشاعري من إنسانيتها، وصل الأمر برغبتي الشديدة في أن أعطي الأمر لأجهزة جسمي للتوقف عن الحراك ولكن كنت اضعف من ذلك

أو لعلي كنت اقوى من ذلك ..

كان بداخلي شعورًا مريرًا مخيفًا عن إعطاءِ مثل هذا الأمر، هل أنا معدة فعلًا وأنا على هذه الصورة والحالة للقاء ربي..
عند هذه اللحظة تحديدًا ولمرة آخرى انقلب كل شئ رأسًا على عقب .. كانت حالة الغضب التي بداخلي كإعصار طاحن ضرب بكل ما بداخلي حتى اذا ما انتهى عدت بالنظر إلي ما خلفه وجدت دمارًا كبيرًا بداخلي .. لم أكن أعلم من أين أو كيف سأبدأ لإعادة إعمار كل هذا الخراب بداخلي .. ولا كيف سأمحو وأزيل آثاره من ذاكرتي .. ولربما بسقوط ما أسميته بورقة التوت الأخيرة كانت البداية لأتمكن من رؤية أشياء كثيرة أكثر صدقًا ونبلًا عن كل ما كنت أبحث عنه .. قررت بداية جديدة ومتصالحة مع الجميع .. وأولهم مع نفسي ..
نعم كانت الخسائر فادحة ومرهقة ومؤلمة .. ولكنني وجدتها ضرورية لتضرب بكل ماهو فاسد في حياتي ولتطهير ما هو غير ملائم لها ..
على أمل أن تكون البداية الجديدة أكثر إشراقًا وأملًا وتوفيقًا فقط مع ومن أجل من يستحق..

زر الذهاب إلى الأعلى