أدبيمقالات متنوعة

‎أنت حبيبي

من وحي التجول بين الناشرين والزوار لمعرض القاهرة للكتاب 55

وقت النشر : 2024/02/07 07:19:08 PM

‎أنت حبيبي

بقلم: حسن العربي

من وحي التجول بين الناشرين والزوار لمعرض القاهرة للكتاب 55

فُتِحت الأبوابُ واندفع الجمع، وتزاحم ناشرو المعمورةِ بالدخول إلى صالات المعرض الشاسعة، كل يبحث عن موقعه ويضع على الأرفف أحدث إصداراته، ودخلت الحسناء وسط الزحام ضمن هذه الكوكبة تسارع هي الأخرى فى تزيين أرفف ركنها بكل جديد، لم تكن ترى إلا صناديق الكتب تفتحها واحدًا تلو الآخر. وتنتقي من الكتب وترصها بعناية شديدة وحسب أهمية الكتاب والكاتب فى نفس الوقت، حتى وقع في يدها كتابه الأخير فاحتضنته فى رقة بالغة وتلمست غلافه الذي صنعته بنفسها وقد علت شفتيها بسمة محبة ، يغفل محبوبها مشاعرها ويراها فى ثوب ناشره المفضل وحسب.

ساعات قليلة وامتلأت الرفوف بالكتب في كل أشكال الأدب والثقافة والعلم وبلغات شتى، بدأ الجمهور فى الدخول أفرادًا وجماعات من كل الأعمار كل يبحث عن كتابه المفضل.
دخل مع الحشود وقد ارتدى بذلته الكحلية ورابطة عنقه الأنيقة بألوانها الزاهية، ومعطف أسود طويل وعلى رقبته كوفية بيضاء فكانت خطواته الرشيقة تلفت الأنظار إليه وإلى أناقته الفائقة، اتجه مباشرة إلى ركنها يريد أن يرى آخر إصداراته معها، كانت تراه عن بعد وتتابعه خطوة بخطوة لا تلتفت لشئ غيره وكأن هذه الآلاف المؤلفة من الزوار لا تعنيها في شئ إلا هو، ورغم رصدها له فى كل خطواته، إلا أنها كانت تتوارى كلما شعرت أنه يلتفت إليها،
هكذا وصل وعينه ترصد غلاف روايته الأخيرة فى زهو ملحوظ، ثم حياها وجلسا يتبادلان أطراف الحديث حتى بدأ الركن يمتلئ بالزوار يشترون روايته ويوقع لهم ثم صورة مع الكاتب والرواية.

الأستاذ مسعود الدمنهوري المدير المساعد لها يحضر ويبدأ في عمله من تعريف الزوار بالكتب والروايات ، ثم يصول ويجول أنحاء المعرض يتفقد كل جديد مما هو على أرفف دور النشر المنافسة ويتعرف بأسلوبه الفهلوي على أغلب الحضور، يشرب قهوته مع هذا ويداعب ذاك ثم ينتقل بين الأرفف يرى أحدث المطبوعات يقلبها بين أصابعه.

فى آخر أيام العرض كانت تجلس وحدها تفكر فى كيف سار المعرض وكم باعت من روايته ومن باقي المعروض على الرفوف، وهي منهمكة في كيف ومتى تلملم كتبها وتغلق يومها، فإذا بها تلاحظ أن رجلًا غريب الأطوار يدور ويحوم حول ركنها وينظر إليها من خلف نظارة سوداء هي أقرب لنظارات مخبري الزمن الماضي، وقد ارتدي سترة جلدية سوداء مما نراه في أفلام المافيا والعصابات، كانت تلاحظ مروره عليها كل يوم عشرات المرات ثم يختفي فى آخر النهار، ولكنه اليوم كان يصوب ناحيتها نظرات مريبة تربكها وكانت تراه يتقدم فى اتجاهها أحيانًا ثم يتراجع، مرة واحدة يختفي ثم يظهر مرة أخرى، تكرر هذا عدة مرات حتى انتابها رعب شديد منه فأمسكت هاتفها تبحث عن منقذ في حال كان هذا لص يريد أن يسرق ما جمعت فى المعرض، أو لربما يكون مخبرًا يرصد خطواتها لجهة أمنية ما أو شئ من هذا القبيل.
دخل عليها الأستاذ مسعود فوجدها في حالة من الذعر البين، فسألها مسرعًا عما جرى فروت له عن غموض هذا الرجل الذي كان يقف هناك عند إحدى الزوايا بسترته المريبة، هنا قرر الأستاذ مسعود الانقضاض عليه وتلقينه درسًا، وما أن تحرك فى اتجاهه حتى بادره بكلمات مبهمة ثم تحرك الاثنين معًا وقد بدأت ضحكات الأستاذ تعلو وتعلو حتى اختفيا بين جموع الزوار.

مر وقت طويل والحسناء مرعوبة لا تدري ماذا جرى لشريكها في الدار، وجاب بخيالها جميع الأفكار فتخيلت أنه قتله ولكنها تنبه نفسها، لو قتله لكان هناك هرج ومرج فى الصالة، إذًا ماذا حدث؟! هل اتهموه بشئٍ  وقبض عليه من عرفوا يومًا بزوار الفجر؟! … لكننا لسنا فى الفجر، تري ماذا حدث.

عاد وقد ملأت شفتيه الضحكات ودخل عليها وهي لم تزل شاحبة الوجه وهو يقهقه بصوتٍ عالٍ حتى استوقفته تحثه على أن يخبرها بما جرى مع الغريب فى لحظة دخول الروائي الذي سمعه يقول لها:

كان يحوم حول الدار فقد أعجب بك يريد أن يتقدم إليك وقد أخبرني أنه ثري!
فقالت : أنا؟! لا لا طبعًا ما هذا العبث ولو معه مال الدنيا لا أقبل أبدًا بهذا الأحمق!
هنا تأخذ الروائي الأنيق الشجاعة لأول مرة ويسألها بصوت خافت: وأنا؟
‎فترد مسرعة بتلقائية شديدة…أنت حبيبي

زر الذهاب إلى الأعلى