أدبيمقالات متنوعة

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة 22

وقت النشر : 2024/02/12 10:44:34 PM

“تلك المرآة هي أنا” الحلقة 22

بقلم: الكاتب الروائي حسن العربي

جلست آمال تضرب أخماسًا فى أسداس، قبل أن تفتح فمها لتقول ولو كلمة فقد هربت كل الكلمات من عقلها، لم تعد تدري ماذا تقول وما إذا كانت ليلى تريد أن توقعها فى فخ أم أنها جادة فيما تقول، وكيف تكون جادة وكل من حولها من النساء والمجتمع كله ينظر إلى هذا الأمر نظرة مخالفة، ورغم شرعيته إلا أن الأغلبية ترى فيه معاني مختلفة، بل تذهب بعض النساء إلى اعتباره خيانة، دار فى مخيلتها كل هذا وأكثر قبل أن تستجمع قواها وتقول لليلى:

حبيبتي، أنت إن شاء الله ستتعافين وتعيشين لبيتك وزوجك وحياتك، وأنا بصراحة كنت أفكر في الانتقال إلى سكنٍ جديد عقب تعافيك بإذن الله.

عادت ملامح الجدية والحزم على وجه ليلى، وقالت بصوتٍ هادئ واثق فيما يقول وبصدق:

– آمال، أنا أتحدث بجدية! أنا عائدة وأنا مطمئنة، أطلب من ربنا أن تكون عودتي حسن الختام، هين وسهل وجميل لي ولكل من حولي.

إن ما دفعني أن أفكر فيك هو حبك وحنانك مع بناتي، اللاتي سوف أتركهن لك أمانة فى عنقك!

هنا توقفت ليلى وبكت بكاء من تفضفض وأخرجت من صدرها كل ما تخفيه ويخيفها، أما آمال فقد انخرطت في البكاء هي الأخرى ولم تعد تستطيع فعل شئ، إلا أنها قامت وأخذت ليلى فى حضنها وهي تصرخ فيها وتقول:

إن شاء الله تكونين أحسن مما سبق وتربين بناتك كما تحبين، وكما أنت فاعلة حتى الآن وسيشفيك الله بإذنه وقدرته.

أما ليلى فيبدو أنها كانت فى حاجة إلى جرعة من الحنان فلم تفارق حضن آمال، وكل منهما تطبطب على الأخرى وتأخذ بيدها!

آمال.

نعم يا ليلى.

قد أتينا لرؤية الغروب ونعيش معًا لحظاته الجميلة وقد جرى بنا الوقت، وها هو الغروب، تعالي نأخذ صورة أنا وأنت والنيل والغروب! 

بكت آمال وبكت ليلى ولمعت عيناهما بالبكاء كما لمع قرص الشمس وظهر بين الأصفر والأحمر، وضرب بنوره على صفحة النيل العظيم فى مشهد مهيب، وأدركت آمال أن ليلى جادة فيما تقول!

أما ليلى فقد كانت تخاف من عدم فهم آمال أو رفضها فعاودت تقول لها:

أنا جادة جدًّا، وأفكر في هذا الأمر منذ فترة، وأرجوك أن تفكري فيه جيدًا، وسأنتظر ردك بفارغ الصبر.

أمضي كمال وقته مع البنات وهو يلعب معهن تارة، ويحاورهن تارة، ويحكي لهن تارة أخرى، وكان فى منتهى السعادة لانفراده بهن هذه السويعات، إلا أنه بدأ يشعر أن ليلى قد تأخرت وبدأ يساوره القلق، وكان ينظر إلى ساعته من حين إلى آخر، حتى دق الباب ودخلت وهي مستبشرة مضيئة الوجه، وقد عادت السعادة بل راحة البال لتسكن تعبيرات وجهها. وكأنها رمت بكل مخاوفها وهمومها فى أعماق النيل وعادت صافية الوجدان. 

دخلت وأنا أنظر من حولي وأكاد أُحدث نفسي حتى أصبحت أمامها وقد بدت علامات التأثر على وجهي وسكن الحزن وجنتي ووقفت  أكمل بكائي، أما هي فكانت تنظر لي بشفقة، لأول مرة منذ زمن بعيد، ولأول مرة لم تبادرني بأية كلمة تزعجني، بل ظهرت عليها علامات الرضا بما عرفت من ندمي مما كنت أفكر فيه، مع أنني لم أفعل شيئًا أخجل منه وقد تماسكت أمام قلبي عندما طلبه حثيثًا، يبدو أنها هذه المرة تقدر أنني أيضًا إنسانة ولي مشاعر.

بعدها ارتميت في أحضان المقعد لأغمض عينيّ وأحلق فى هدوء وسكينة إلى أعلى السماوات، وأنا أراجع أمامي شريط هذا اليوم الطويل، ثم وجدتني وقد اتخذت قراري وانتفضت من مقعدي وجريت إلى الحمام وتوضأت وذهبت إلى ركني الذي كنت أواظب على الصلاة فيه ثم هجرته!

وإذا بي أقف أمام الله فى لهفة المشتاق الذي لم يركعها منذ فترة ليست بالقصيرة، وعند أول سجدة لم أستطع تمييز الكلمات من شدة تَأثري وكثرة بكائي. بكاء الخلاص الذي تشعر معه براحة وهدوء ونفس مطمئنة ثم بدأت أدعو من أجل ليلى وأتوسل إلى الله أن يشفيها ويتم معجزته فهو على ذلك قدير.

كنت أعلم أن هذا الأمر علميًا نافذ لا محالة، ولكني أيضًا كنت على يقين بإرادة الله، فهو إن أراد شيئًا قال له كن فيكون. ثم استكنت إلى مُصحفي وعدت إلى أذكاري ووردي وركني لأسبح وأهلل وأُحوقل حتى عادت السكينة إلى قلبي بعد غياب طويل.

مضت ليلي فى طريقها و نفذت ما استرحت له وبعد نقاش طويل مع كمال الذي كان رده أنها ستكون بخير، وأنها ستعود إلى صحتها، وأن بمقدرتها الانتصار على المرض، وأن الله معها فقد كانت دائمًا البنت البارة والزوجة الصالحة والأم المحبة، لكنه لم يستطع أن يرجعها فيما عزمت ووافق على شرط مع الاتفاق مع آمال، أن يتم الأمر كله في هدوء، مما شرح صدر ليلى وطَمأنها.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى