أدبي

ذكريات أيام مضت

وقت النشر : 2021/12/25 04:06:10 AM

ذكريات أيام مضت

قصة قصيرة

بقلم: شيماء كساب

 

ذات صلة

تطلعت من نافذة الحافلة محملقا في أنوار الكورنيش الملونة واستعدت ذكرياتي العتيقة التي لم تعتق خيالي بعد، ما زالت حتى الآن راسخة في وجداني وكأنها حدثت بالأمس، لكن أخذني من صومعتها صوت وقع أقدام تصعد سلم الحافلة، إنها سيدة يبدو أنها تصغرني بعامين، طولها متوسط ومظهرها أنيق رغم بساطته، عطرها مميز لا يُنسى، تقدمت ثم جلست في مقعد يقابلني، ولكن على بعد متر أو أكثر.

لقد مرت أعوام كثيرة على لقائي بها، هل هي حقا أم أن الزهايمر عصف بذاكرتي؟!

 

يا لها من صدفة غريبة! لم يخطر على ذهني أن تحدث، ولكنها خير من ألف ميعاد..

حقا ما أجملها! ما زالت كما هي، عيناها البريئتان اللتان كانتا تغمراني وتضماني حد الغرق، شامتها المميزة تحت ثغرها الدائم التبسم، أنفها الدقيق التي كنت أقبض عليه بين إبهامي وسبابتي أداعبها..

يا إلهي! كم كانت تغضب حين أفعلها، وكان غضبها يدفعني إلى الدخول في هيستريا الضحك المستمرة.

هي لم تتغير أبدًا، هي كما هي، لكنني تغيرت كثيرا، مظهري لم يعد كما كان، ملامحي تبدلت وتجاعيد ألمي بانت على وجهي فلم أعد فارس أحلامها الوسيم

كما كانت تناديني دومًا،

لن تتذكرني وأدعو الله بهذا، فأنا أعلم أني تركت بفؤادها جرحًا لن يلتئم..

هل يا ترى أذهب إليها لأترجاها أن تسامحني؟ فهذه فرصتي الوحيدة وربما لن تأتي مرة أخرى.

كنت أهم بالوقوف فوجدتها تقترب مني، جلست أمامي مباشرة وقالت بصوتها المعهود:

– ألا تتذكرني يا فارس أحلامي الوسيم؟

وكأن صوتها اخترق حواسي وزعزع كياني، لم أكن أهذي، إنها هي حقا أمامي، وها هو صوتها ولحنه الذي لم أسمع مثله أبدًا قد جعلني في عالم آخر..

نظرت إليها وقلت بصوت هامس:

– أنا لم أنسك حتى أتذكرك.

واستأنفت كلامي قائلا:

– أنا أريد منك أن تسامحيني، فأنا أقسم بمن وضع حبك في قلبي أني لم أجد الراحة في بعدك، وقبل أن أتركك تركت قلبي وروحي ونفسي معك، ولو تعلمين ما عانيت بعدك ستشفقين عليّ وتذرف عيناك بدل الدموع قهرا، فقد كنت طائشا لم أعرف قيمتك إلا بعد خسارتك، لقد بحثت عنك صدقيني..

نظرت إليّ والشجن يملأ عينيها ثم ربتت على يدي وقالت:

– لقد سامحتك حينها، سامحتك ولم أسامح نفسي حتى يومنا هذا لأني استسلمت لقرارك دون مقاومة، تركتك وأنا أعلم أني أقرب إليك من نفسك، وحينما قلت اذهبي قصدت في ثناياتها ابقي معي أنا أحبك.

وسمعت صدى صوت يناديني باستياء:

– استيقظ سيدي، لقد انتهت الرحلة وأنت الراكب الأخير.

ثم قال وهو يبتسم:

– أكنتَ تحلم؟

نظرت إليه في بؤس وقلت:

– نعم كنت أحلم، أحلم بذكريات أيام مضت ولن تعود أبدًا، فيا ليتني مت حلمًا.

ثم ودعت السائق وودعت معه حافلة أملي الأخير، فهي حقا لم تتذكرني وربما أيضا لم ترني، ومضيت في طريقي متمتمًا يا ليتني لم أرها!

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى