أدبي

“الفقد” لا تحسبوه هينا!

وقت النشر : 2021/12/31 12:57:09 PM

 صفاء فوزي

منذ رحيله وأنا أتجنب أن أمسك قلمي، أخاف أن أكتب، أن أتعمق داخلي، حتى فاض بي الكيل وثقل حملي فأمسكت بقلمي، تعثر في الكتابة، لا أدري هل جف هو الآخر مثلما جف قلبي؟! هل سيكتب أم سينزف ألما؟!

لقد اعتدت دوما الكتابة عند كل خيبة وألم وخذلان، لكن الآن قلمي يبكي ولا يطاوعني، شهور حزن وألم ولوعة مرت دون أن يكف قلبي عن البكاء ويأبى قلمي أن يخط حرفا، حاولت كثيرا لعله ينزف كعادته كلمات وعبارات ليزيح عني ما يحمله قلبي وما تئن منه نفسي.

لا زال قلمي يعاندني؛ لعله مات أو رحل أو كسر بموت الأحبة.

لم أكن أتخيل موت أبي الآن، ورغم أن التعب والمرض قد تزايد عليه، لكن دخوله في غيبوبة لأسبوع قبل رحيله مزقني إربا، أسبوع طويل لم أذق فيه طعم النوم، كنت لا أكف عن البكاء ليل نهار، تمنيت لو استفاق لدقائق ليرانى، لأساله

هل هو راض عني؟ تمنيت أن أعتذر منه عن أي تقصير نحوه، تمنيت أن يفتح عيونه لحظات لأودعه، لكنني دوما محرومة من الوداع الأخير فكما رحلت أمي دون وداع رحل أبي، لم أتوقع رحيله يومها، كنت على يقين أنه سيعود لنا مثل أي مرة مرض بها من قبل، لكنه رحل وترك لي الحزن والألم والدموع واليتم، كنت أتصور رحيل أمي أصعب ما مررت به في حياتي فقد رحلت فجأة دون مرض وتركت لي جرحا غائرا وحرمانا من الحب والعطف والحنان، لكن الآن بعد رحيل أبي تذوقت مر الفقد واليتم الحقيقي،

أصبحت الدنيا فارغة تماما، غربة وألم ووحشة لن يحسها إلا من عاشها، موت الأب يعني

أن تصبح بلاسند، بلا رحمة وبلا أمان، يعني أن يكسر ظهرك، أن تعيش وحيدا وغريبا، وتسير بلا عائلة فجأة. الغريب أن أقرب الناس لا يشعرون بك، يظنونه سهلا، ولكنه ليس هينًا، إنه حزن عظيم يزداد كل يوم وحين ولا ينتهي أبدا.

الكل يعتقد أنك نسيت وتجاوزت الألم بينما أنت تتألم، تفتقد كل حب وينقصك كل شيء، رحيل الأب والأم مر جدا، غيابهما لا يعوضه أحد، لا شيء يصف شعورك، لا كلام يعبر عما يؤلمك، لن تشعر بألم اليتم إلا إن تذوقته؛ ستعرف معنى أن يأتي العيد ويمر كيوم عادي كأنه لم يأتِ، ستعرف معنى أن تغيب ولا يشعر بك أحد، أن تتألم ولا يشعر بك أحد، ستبكي شوقا لهما كل ليلة وكل يوم، فكل يوم يمر دونهما دهر، لن تشعر بالفرحة مهما امتلكت من مقومات السعادة، ستنجح ولن تحس معنى النجاح دونهما لأنهما ليسا هنا ليفرحا لك وبك.

اليتم صعب حتى لو كنت شيخا، ستشعر أنك طفل فارق حضنهما، وتاه في الحياة وأصبح بلا وطن وبلا عنوان، طفل يبكي شوقا واحتياجا لأمه وأبيه، فلا معنى للحياة بدون أمان وحب، اليتم لا يوصف بل يُحس.

عندما رحلت أمي شعرت بغربة الروح، وعندما رحل أبي غابت الروح معه.

أن تكون بلا أب وأم، يعني أنك لست على قيد الحياة.

صفاء فوزي

زر الذهاب إلى الأعلى