أدبي

جنون الحياة

قصة قصيرة

وقت النشر : 2022/01/18 12:54:50 PM

جنون الحياة
بقلم: الزهراء محمد سعيد

بعد يوم شاق من العمل والمشاحنات قررت الهروب والذهاب لمكاني المفضل بأحد المطاعم على ضفاف النيل، وتناول فنجاني من القهوة لعلها تمسح العناء عن عقلي، تحركت متثاقلة بأفكاري التي تتصارع بعقلي حتى وصلت لوجهتي، جلست بطاولتي المفضلة، واستغرقت بأفكاري وهمست: إنها ليست مشاكل العمل هي ما تزعجك وتدمع مقلتيك، لكنه هو، تلك هي الحقيقة التي تحاولين إنكارها.
قطع صوت النادل أفكاري وهو يسألني ماذا يحضر لي، فأخبرته برغبتي في فنجان من القهوة، تركني وذهب ، فتحت حقيبتي لأحضر هاتفي، فإذا بخاتم خطبتي يسقط منها، أمسكته بقوة، وتذكرت كيف تركني لخلاف لا يذكر، حطم قلبي وأنهى قصة حبنا، هل كنت واهمة، وهل كان حبه ومشاعره سرابا؟
قلت بصوت خنقته الدموع: كم أنا غبية؟!! ما زلت أحبه حتى الآن، كأنني أهوى تعذيب نفسي، لماذا أحتفظ بهذا الخاتم حتى الآن؟! عليَّ التخلص منه.
فإذا بشاب يجلس على طاولتي دون استئذان
قال: الحزن المفرط يهلك الإنسان.
نظرت إليه وتفحصته، فإذا به شاب وسيم، متأنق، ملابسه تدل على ثرائه، فقلت بتعجب: من أنت؟!
ابتسم واقترب بمقعده من مقعدي، وأمسك خاتم الخطبة من بين يدي وقال: أنا من رأى جمالك من بين دموعك، أتابعك منذ زمن، وحان وقت الحديث إليك، أنا من أحبك في صمت، أعلم أنك حزينه وضيعتِ دربك، لكن أنا هنا، سأبقى بجانبك ونبدأ معا من جديد.
فغرت فاهي عن آخره من دهشتي، ازدادت ابتسامته وقال: لا تندهشي، إن للحياة مفاجآت لا يتوقعها إنسان.
أحضر النادل القهوة، فنظر إليه الشاب وقال غاضبا: قهوة، أين الطعام؟!
تعجب النادل وقال: هي من طلبتها.
قال الشاب آمرًا: عد وأحضر الطعام أولا، وأخبره بالأصناف المطلوبة، غادر النادل لتجهيزها.
نظرت إليه متسائلة، وقد بدأ صبري ينفد: الآن أخبرني، من أنت؟ وإلا فانهض واتركني، هل أنت مجنون؟!
ابتسم بثقة وقال: أليس الحب جنونا، أحمد الله كثيرا على تركه لك، أصبحت لي.
حاولت الكلام فقاطعني وقال: إنك مجهدة، نتناول الطعام ثم نتحدث، بقلبي حكايات لا تنتهي، سأرويها من البداية وبيدك أنت فقط النهاية.
لا أعلم لماذا صمت؟! سحرتني كلماته أم دفعني فضولي، لا أعلم!
تناولنا الطعام دون التحدث، لكنه بين الحين والآخر يرمقني بنظراته الساحرة.
أنهى طعامه، فنظرت إليه قائلة: والآن، هل يمكنك التحدث؟
ابتسم أولا ثم أمسك بخاتم خطبتي وقال غاضبا: لماذا تحتفظين به حتى الآن، ألا يكفيكِ حبي؟
نظرت إليه مندهشة وقلت: ماذا تقول، هل أنت مجنون؟!
قال: نعم، مجنون لأني أحببتك، ثم نهض وأكمل صارخا: أجيبيني، ما هو ذنبي؟ لقد أحببتك، امتلكتِ قلبي وحتى أحلامي، لكن قلبك ما زال يذكره، حاولت جاهدا مساعدتك، لكنك لا تتعلمين.
ضرب الطاولة ضربة قوية بقبضته فالتصقت بمقعدي، وانتبهت لكل من بالمطعم حتى العاملين، الكل ينظر إليه في حزن وتأثر وينظرون إليّ نظرة اشمئزاز.
استطرد الشاب باكيا: سأبتعد، لعل ابتعادي يشعرك بأهمية وجودي بحياتك، ليساعدني الله على النسيان.
قالها وركض تاركا المطعم، وتركني مع دهشتي ونظرات الحاضرين، وأنا أتابع خروجه وعقلي في دهشة مما يحدث.
أتى النادل، وعلى وجهه نظرة اشمئزاز وقال: هل هناك طلب آخر؟!
قلت: لا، شكرا.
قال: هذه هي الفاتورة
نظرت، فإذا بها مبلغ صدمني، فقلت له باستنكار: أنا لن أدفع ثمن طعامه.
قال: هذه فاتورتك، ليس من شأني من تناول الطعام، ألا يكفي خيانتك له؟!
قلت: أنا لا أعرفه، هو شخص غريب.
حضر المدير، وأخبره النادل، فنظر إلي قائلا: النقود بهدوء من فضلك.
كان كلامه حاسما، فاستسلمت وتناولت حقيبتي، فاذا بهاتفي مفقود، وأيضا خاتم خطبتي.
وهنا توقفت وبدأت بالفهم، تناول طعامه، وسرق هاتفي وخاتمي، يا له من لص بارع!
جلست بمقعدي، وانفجرت ضاحكة حتى انتبه الجميع لي.
قلت للمدير وقد أغضبه ضحكي: إنه لص، لكنه بارع، استولى على هاتفي والخاتم، لكني سادفع، وعندما فتحت حقيبتي وجدتها خالية من النقود أيضا، فانفجرت ضاحكة مرة أخرى، وقلت للمدير والنادل: إن للحياة مفاجآت لا يتوقعها بشر، لكني أتمنى رؤيتك أيها اللص المجنون لأشكرك؛ لقد خلصتني من خاتم الخطبة، ومن هاتفي بما يحويه من صور وذكريات، لقد عالجتني أيها اللص، وتستحق نقودي.

جنون الحياة.

تمت المراجعة والتنسيق من قبل فريق ريمونارف.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى